للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{لَاصْطَفَى}: اصطفى من الصَّفْوَة، وهو خيار الشّيء، فيكون معنى اصطفى اختار.

{مِمَّا يَخْلُقُ}: أي: من الذي يَخْلُق ما يشاء، و (ما) هنا مفعولُ اصطفى أي: لاصطفى ما يشاء ممَّا يَخْلُقُه؛ وقوله: {مِمَّا} هذه اسْمٌ مَوْصُول، والعائِدُ مَحْذوف، والتَّقْدير: مما يَخْلُقُه، وعبَّرَ بـ (ما) دون (مَن) مع أنَّهُم قالوا: الملائِكَة بناتُ الله، وعزيرٌ ابْنُ الله، المسيحُ ابنُ الله، فعبَّرَ بـ (ما)؛ لأنَّها أعَمُّ مِن (مَن)؛ هذا من وَجْه.

من وجهٍ آخر: أنَّه إذا أُريدَ ملاحَظَة الصِّفَة، فإنه يعبَّر بـ (ما) عن (مَن) وهنا يراد ملاحَظَة الصِّفَة وهي: العبادة وانظروا إلى مثالٍ يتَّضِحُ به ما قلنا؛ قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] ولم يَقُلْ: (مَن)، لأنَّه ليس المقصود عَيْنَ المرأة إنما المقصود الوصف؛ ولهذا يعبَّر بـ (ما) عن (مَن).

{لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ} أي: من مخلوقاته ذاتِ الإرادَةِ والشُّعور كعُزَيْرٍ والمسيحِ والملائِكَةِ وغيرهم كالجمادات من الأصنام المنْحُوتة وغيرها؛ ما شاء، واتَّخَذه ولدًا قوله: {مَا يَشَاءُ} نقول: في {مَا يَشَاءُ} كما قلنا: في {مِمَّا يَخْلُقُ} واتَّخَذه ولدًا [غيْرَ من قالوا مِن الملائِكَة بنات الله، وعُزَيْر ابن الله، والمسيحُ ابن الله] يعني: الله عَزَّ وَجَلَّ لو أراد أن يتَّخِذَ ولدًا ما منعه أحَدٌ؛ {لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} مما قالوه أو غيره، فهو عَزَّ وَجَلَّ له المُلْك الكامل، ولكنه لا يتَّخِذُ ولدًا، كما قال تعالى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: ٩٢]؛ يعني: مستحيلٌ غايَةَ الاسْتِحالَة أن يتَّخِذَ ولدًا.

ولهذا قال رَحِمَهُ اللهُ هنا: [{سُبْحَانَهُ} تنزيهًا له عن اتخاذِ الولد، {هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} لخَلْقِه] {سُبْحَانَهُ} أي تَنْزيهًا له، و {سُبْحَانَهُ} هذه اسمُ مَصْدَر، مِن سبَّح، والمصدَرُ تَسْبيح، واعلم أن (سبحان) ملازِمَةٌ للإضافة دائمًا،

<<  <   >  >>