وقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} قال المُفَسَّر رَحِمَهُ اللهُ فيه: [وإني كُنْتُ لمِنَ الساخِرينَ]، فقدَّرَ اسمَ (إنَّ) ضَميرًا مُطابِقًا للسِّياق، فقال:[إِنِّي كُنتُ] وهذا الذي ذهَب إليه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ هو الصحيح، أمَّا عند جُمهور النَّحويِّين فإنهم يَقولون: إن اسم (إِنَّ) محَذوف ضميرُ الشَّأْن، فيُقدِّرون: إن كُنتُ وإنَّه. أيِ: الشأن، لكن الصحيح: أننا نُقدِّر ضميرًا مُطابقًا للسِّياق، ولا حرَجَ أن نَقول: إنه مَحذوف ولو لم يَكُن ضميرَ الشَّأْن، فعليه نَقول:{وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} التَّقدير يَكون: وإني كنتُ لمِنَ الساخِرين.
واللام في قوله:{لَمِنَ السَّاخِرِينَ} هذه للتَّوْكيد، وهي أيضًا دليلٌ على أنَّ (إِنْ) مُخفَّفة من الثَّقيلة، ولا تَلزَم لامُ التوكيد مع (إِنِ) المُخفَّفة من الثَّقيلة، إلَّا إذا كان يُخشَى من الالتِباس بالنافِية، فإن كان يُخشَى الالتِباس بالنافية فإنه يَجِب أن تُذكَر اللَّامُ.
والحاصِلُ: أن اللَّام تَأتي كثيرًا في خبَر (إِنِ) المُخفَّفة من الثَّقيلة وقد تُحذَف؛ إلَّا إذا خيف الالتِباس، فإنه يَجِب أن تُذكَر اللَّام إذا خِيف الالتِباس بـ (إِنِ) النافِية؛ لأنه إذا أتَتِ اللَّامُ تَعيَّن أن تكون (إِنْ) مُخفَّفة من الثَّقيلة، ومَحلُّ هذا البحثِ في النَّحْو.
وقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} الساخِر بمَعنَى: المُستَهزِئ، أي: ساخِرين بمَن يَدعو إلى الله تعالى، كما قال تعالى:{أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ}[ص: ٦٣]، ساخِرين بدِين الله تعالى، ساخِرين بكُتُب الله تعالى، ساخِرين برُسُل الله تعالى، {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}[التوبة: ٦٥].
ولهذا حُذِف المَفعول في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{السَّاخِرِينَ}؛ لإفادة العُموم؛ أيِ: الساخِرين بالله تعالى وآياته ورسُلِه وأَوْليائِه، فهو عامٌّ.