عامٌّ لجَميع الأُمَم الذين يَرَوْن العَذاب يوم القِيامة، فإذا كان من هذه الأُمَّةِ فالآياتُ التي جاءَت هي القُرآن، وإذا كان من قوم مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ فالآياتُ هي التَّوراةُ، وإذا كان من قوم عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ فالآياتُ الإنجيلُ، وهلُمَّ جَرًّا.
والآياتُ جَمْع: آيةٍ، وهي في اللغة: العَلامة المُبيِّنة لمَدلولها، وقد سمَّى الله عَزَّ وَجَلَّ ما جاءَت به الرُّسُل آياتٍ؛ لأنه علامة على الربِّ عَزَّ وَجَلَّ، ممَّا يَتَضمَّنه من الصِّدْق في الأَخْبار، والعَدْل في الأَحْكام، وأنه لو اجتَمَع الخَلْق على أن يَأْتوا بمِثل ما جاء به الرُّسُل من الشرائِع ما استَطاعوا ذلك، وهذا آيةٌ؛ لأن ما يُقْدَر عليه لا يُعتَبَر آيةً.
وقدِ استَمَرَّ المُتأخِّرون على تَسمية الآيات: مُعجِزاتٍ؛ وهذا فيه نظَر، فإن المُعجِزاتِ أعمُّ من الآيات، إذ إن المُعجِزة قد تَكون من الساحِر، وقد تَكون من الكاهِن، وقد تَكون من المُشعوِذ، لكن الآية التي تُبيِّن الشيء وتُوضِّحه لا تَكون من هؤلاء؛ ولهذا يَنبَغي أن نَقول:(آياتُ الأنبياء) بدَلَ (مُعجِزاتُ الأنبياء)؛ لأن هذه:
أوَّلًا: هي المُوافَقة لما جاء في القرآن، فإن الله لم يُسمِّ آياتِ الأنبياءِ مُعجِزاتٍ.
ثانيًا: لِئَلَّا يَدخُل ما جاء مُعجِزًا من غير الأنبياءِ.
فقوله تعالى:{بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} أيِ: العَلاماتُ التي تَدُلُّ على أن الله تعالى حقٌّ، أيِ: القُرآن، قال رَحِمَهُ اللهُ:[وهو سبَب الهِداية].
قوله:[هو] أي: ما جاءت به الرُّسُل من الآيات [سبَب الهِداية]، ولكن لمَن:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق: ٣٧].
أمَّا مَن حقَّتْ عليه كلِمة العَذاب وعلِمَ الله تعالى أنه ليس أهلًا لها، فيَقول الله تعالى فيه: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: ٩٦, ٩٧].