للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّاكِرِينَ} أي: مِنَ الذين يَشكُرون الله تعالى.

واعْلَمْ أن (أل) إذا اتَّصَلت بمُشتَقٍّ فإنها تَكون اسْمًا مَوصولًا من أسماء المَوْصول العامَّة، فهي بمَنزِلة (مَن) وبمَنزِلة (ما) إذا اتَّصَلت بمُشتَقٍّ، مثل: الشاكِر والمَشكور والأحسَن وما أَشبَهها؛ فعلى هذا يَكون قوله تعالى: {مِنَ الشَّاكِرِينَ} مُفيدًا للعُموم، أي: من القائِمين بشُكْر الله تعالى، والشُّكْر هو القِيام بطاعة المُنعِم عَقيدةً وقولًا وفِعْلًا، ولهذا قال الشاعِر:

أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ... يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ المُحَجَّبَا (١)

يَعنِي: أنكم مَلَكْتم بإنعامكم عليَّ قلبي ولِساني وجَوارحي.

فإن قال قائِل: هل الشُّكْر هو الحَمْد أو غيرُه؟

فالجَوابُ: بينهما عُموم وخُصوص، يَجتَمِعان فيما إذا كانا في مُقابَلة نِعمة، فإن الحَمْد هو الشُّكْر؛ لأنه ثَناءٌ على الله تعالى باللِّسان، فإذا أكَل الإنسان أو شَرِب فقال: الحَمْد لله تعالى؛ كان بذلك شاكِرًا وحامِدًا، ويَنفَرِد الحمد بوَصْف الله تعالى بالكَمال دون مُقابَلة نِعْمة، فإذا أَثنَيْت على الله تعالى بأنه الحيُّ العَظيم، وما أَشبَهَ ذلك فهو حَمْد، وليس شُكْرًا؛ لأنه ليس في مُقابِل نِعْمة، لكن ربما نَعتَبِره شُكْرًا باعتِبار أنه عِبادة، والقِيام بطاعة المُنعِم من الشُّكْر.

وإذا قُمْتَ بطاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَزاءً على نِعْمته ولم يَكُن في ذِهْنك وَصْفه بالكَمال صار ذلك شُكْرًا لا حَمْدًا.

وعلى كل حال: قد يَحصُل انفِراد أحدِهما عن الآخَر، وذلك لأن الثَّناء نفسه وإن لم يَكُن في مُقابَلة نِعْمة يُعتَبر شُكْرًا؛ لأنه قِيامٌ بطاعة المُنعِم.


(١) غير منسوب، وانظره في غريب الحديث للخطابي (١/ ٣٤٦)، والفائق للزمخشري (١/ ٣١٤).

<<  <   >  >>