للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه النعيم، لكن إذا رأَى أنه في المكان الذي يَشاؤُه ولا يُريد التَّحوُّل عنه فإن هذا من كمال النَّعيم، قال الله تعالى: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: ١٠٨].

فإن قال قائِل: ما تَوجيهكم لقول ابن القَيِّم (١) رَحِمَهُ اللهُ بأن ذِكْرَ الله تعالى أمانٌ من الحَسْرة في الجَنَّة، واستَدَلَّ بحَديث: "أَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَا يَتَحَسَّرُونَ إِلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهَا" (٢)، فهل هذه الحَسرةُ تَتَوجَّه مع ما تَقدَّم؛ لأنهم يَنظُرون مَن سَبَقهم ومَن هو أَعلَى منهم؟

فالجَوابُ: هذه ليس حَسْرة، هذا تَمَنٍّ، يَعنِي: يَتَمنَّون أنهم فعَلوا ذلك، وتَمنِّي الشيء لا يَدُلُّ على الحَسْرة، ولا يُمكِن أن يَكون في الجَنَّة حَسْرة بمَعنَى الندَم والانقِباض مثَلًا؛ لأنَّ هذا يُنافِي كمال النَّعيم.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: الثَّناء على هذا الثوابِ الذي حصَل لأَهْل الجَنَّة في قوله تعالى: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: بَيان مِنَّة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالجَزاء، حيث جعَله أَجْرًا، وكأنه أَجْر مَفروض على الله عَزَّ وَجَلَّ.

فإن قال قائِل: كيف تَجعَلون على الله تعالى شَيئًا مَفروضًا؟

قُلْنا: أنَجْعَلْه نحن، لكنه عَزَّ وَجَلَّ هو الذي جعَله على نَفْسه.

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: الحثُّ على العمَل الصالِح الذي يُورِث الجَنَّةَ، وأن الإنسان لا يَنبَغي أن يَكون كَسولًا مُتراخِيًا الهِمَّةَ في الأعمال الصالِحة.


(١) انظر: الوابل الصيب (ص ٤٤).
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٢٠/ ٩٣ رقم ١٨٢)، والبيهقي في شعب الإيمان رقم (٥٠٩)، من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>