يقول ابن فارس (١): «أنف: الهمزة والنون والفاء، أصلان منهما يتفرع مسائل الباب كلها، أحدهما: أخذُ الشَيء من أولِه، والثاني: أنف كُلِّ ذي أنف. وقياسه التَحديد. فأما الأصل الأول، فقال الخليل: اسْتَأنفتُ كذا، أي: رجعت إلى أوله، وائْتَنَفتُ ائْتِنَافًا. ومُؤْتَنَف الأمر: ما يُبْتَدَأ فيه. ومن هذا الباب قولهم: فَعل كذا آنِفًا، كأنه ابْتِدَاؤُه».
ومن هذا يتبين لنا أن الخطيب ﵀ كأنه أراد أن يبتدأ ذكر المؤتلف والمختلف متخذًا في ذلك كتابيْ «المؤتلف والمختلف» لأبي الحسن الدارقطني، وأبي محمد الأزدي -رحمهما الله- أصلًا يكمل به هذه المادة الواسعة.
ومما يُتَأسف له أن قد فُقِد أَولُّ الكِتَاب كما يأتي ذلك في وصف النسخة، وضاع معه مقدمةُ الخطيب التي يبين فيها عن مَقصده، غير أن الله تعالى قد ألهم الإمام ابن ماكولا لذكر طرفًا من هذه المقدمة في مفتتح كتابه «تهذيب مستمر الأوهام» فقال ﵀: «فإنَّ أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ﵀ وكان أحدَ الأعيان مِمَّنْ شاهدناه معرفةً وإتقانًا وحِفظًا وضَبطًا لحديث رسول الله ﷺ، وتَفَنُّنًا في عِلله وأسانيده، وخِبرةً برُواتِه ونَاقِليه، وعِلمًا بصحيحه وغريبه وفَرْدِه ومُنْكَره وسَقِيمه ومَطْرُوحِه.
ولم يكن للبَغْدَادِيين بعد أبي الحسن عَلِي بن عُمر الدارقطني مَنْ يَجْري مَجْرَاه، ولا قَام بَعده بهذا الشأن سِواه.
وقد استفدنا كثيرًا من هَذا اليَسِير الذي نُحْسِنُه، وبه وعنه تعلمنا شطرًا من هذا القليل الذي نعرفه بتنبيهه ومنه، فجزاه الله عَنَّا الخيرَ ولَقَّاه الحُسنى