كان قد عمل بالشام كتابًا سماه «المؤتنف تكملة المؤتلف» ولما عاد إلى بغداد قَرَأ عليَّ شيئًا من أوله، مُغْرِبًا عليَّ به ومُعرِّفًا لي بما ضَمَّنه إياه، ومُعرِّفًا لي قدر ما تَيَسَّر له، وأنه قد استدرك فيه على أئمة هذا العلم أشياء تَمَّ عليهم السهوُ فيها، ونَبَّه على أشياء غَفلوا عنها ولم يحيطوا بها معرفةً، ووجدته كبيرًا فظننتُ أنه قد استوعب ما يُحْتَاج إليه في هذا المعنى ولم يدع بعده لمُتَتَبِّع حُكمًا.
ولما دَعاهُ رَبُّه (١) فأجاب، قال لي بعض المُتَشَاغِلين والمُعْتَنين بهذا العلم: لقد تَعِب الخَطِيبُ وأَتْعَب وتَعِب بما جَمَعَه، وأَتْعَب مَنْ أراد أن يعرف الحقيقةَ في اسمٍ؛ لأنه يحتاج أن يَطلبَه في كتاب الدارقطني، فإن لم يجده ففي كتابيْ عبد الغَنِي، فإن لم يجده ففي كتاب الخطيب، ثم يحتاج أن يفسر طبقاته أيضًا، فيمضي زمانه ضَياعًا ويَصِير ما أريد مِنْ إرشاده تضليلًا.
فلو أنك جمعتَ شَمْل هذه الكتب وجعلتها كتابًا واحدًا حُزتَ الثَواب ويَسَّرتَ على مبتغي العِلم الطِلَاب، وراجعني في ذلك مُراجعةً تحريت لها وأوجبت له فيها رعايةً لِحقِّه ورغبةً في مساعدته واغتنامًا للأجر في إفادة مسترشدٍ وتَعليم جَاهِل ومعرفة طالبٍ.
وبدأت بالنظر في كتاب الخطيب فوجدته يذكر في أوله: أنه قد جَمَع فيه من مُؤتَلِف أسماءِ الرُواة وأنسابهم ومُخْتَلِفها -ومما تتضمن كتب أصحاب الحديث من ذلك، وإن لم يكن المذكور راويًا مَشُهورًا- ما شَذَّ عن كِتَابَي أبي الحسن علي بن عُمَر، وأبي محمد بن عبد الغني بن سعيد المُصَنفِين في
(١) قوله: «دعاه ربه» في المطبوعة اعتمادًا على نسخة فيض الله: (دعى به). ولا معنى لها، والمثبت و الذي يقتضيه السياق والله أعلم. وهذه الجملة في الخرم الموجود في نسخة تشستربيتي.