ويقول: أنت تريد مني الرواية وأنا أريد منك الدراية، وكنت أسكن منارة الجامع، فصعد إليّ يومًا وسط النهار وقال: أحببت أن أزورك في بيتك، وقعد عندي وتحدثنا ساعة، ثم أخرج قرطاسًا فيه شيء وقال لي: الهدية مستحبّة وأسألك أن تشتري به الأقلام، ونهض ففتحت القرطاس بعد خروجه فإذا فيه خمسة دنانير صحاح مصرية، ثم إنه مرة ثانية صعد وحمل إليِّ ذَهَبًا وقال لي: تشتري به كَاغدًا، وكان نحوًا من الأول أو أكثر، قال: وكان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق يسمع صوته في آخر الجامع، وكان يقرأ معربًا صحيحًا» (١).
خروجه من دمشق:
ويظل مقامه آمنا في دمشق ينعم فيها بالدرس والإقراء زهاء ثماني سنين، حتى تعرض له محنة أخرى تضطره إلى الخروج من دمشق التي ألفها وطاب له المقام بها.
قال ابن طاهر في المنثور: «حدثنا مكي بْن عَبْد السلام الرُمَيلي قال: كان سبب خروج أَبِي بَكْر الخطيب من دمشق إِلَى صور أنه كان يختلف إليه صبي مليح، سماه مكي، فتكلم الناس فِي ذلك. وكان أمير البلد رافضيًا متعصبًا، فبلغته القصة، فجعل ذلك سببًا للفتك به، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل ويقتله. وكان صاحب الشرطة سُنِّيا، فقصده تلك الليلة مع جماعة ولم يمكنه أن يخالف الأمير فأخذه، وقال: قد أُمِرتُ فيك بكذا وكذا، ولا أجدُ لك حيلةً إلا أني أعبر بك عند دار الشريف ابن أبي الجن العلوي، فإذا حاذيت الباب، اقفز وادخل الدار، فَإِنِّي لا أطلبك، وأرجع إِلَى الأمير، فَأَخْبَرَه بالقصة. ففعل ذَلِكَ، ودخل دار الشريف، فأرسل الأمير إِلَى الشريف أن يبعث به، فقال: أيها الأمير، أنت تعرف اعتقادي فِيهِ وَفِي أمثاله، وليس فِي