يا أصحابنا، اصنعوا في هذا شيئاً، فقال ابن المنجم: إنما يصنع فيه من يتهم بأنه لا يشعر، وليس ها هنا من يتهم إلا الشيخ أبو الفضل والشيخ أبو الربيع، فليصنعا بيتين على حرف الذال على سبيل المرافدة؛ ليثبت لهما ما ادعياه من قول الشعر، فصنع طيري في الحال:
ومفجعٍ تخذ الجذوع مطيةً ... فتقطعت لركوبها أفخاذه
وأطال أبو الربيع التفكر وافتضح في تمادي التأمل، فدس إليه ابن المنجم رقعة صغيرة فيها:
وبدا لسن الرمح فيه نفاذة ... أخنى على أفلاذه فولاذه
وناولها له بحيث فطنت الجماعة وتغافلوا، وخفى الأمر على طيري لسوء بصره، فقال: بيتي خير من هذا البيت؛ وأكثر الصياح والجلبة، فقال له ابن الذروي: دع عنك هذا القول، ألست القائل في بيتك: تخذ الجذوع ... فهذا صلب على جذع أو مائة! وقلت: أفخاذه، فله فخذان أو عشرة! وأوحى إليه بالقصة. فأقصر عن الكلام، ثم التفت ابن الذروي إلى سليمان وقال له: قد ثبت اليوم عملك للشعر. فانصرف، وقد ألزموه بعمل دعوة سروراً بذلك.
[وأخبرني الأديب أبو القاسم عبد الرحمن العداس]
قال: اجتمع في منزلي أبو الفضل جعفر المنبوز بشلعلع، والمهذب وابن سعدان الدمشقي، فأنشدنا ابن سعدان قصيدتين مفرطتي الطول، وقال: صنعتهما وبيضهما وحملتهما للممدوحين في يومي هذا. وكان الظهر لم يؤذن به بعد، فرددنا عليه قوله، فأخذ يدعي قوة الارتجال وسرعة البديهة، فقال له جعفر: هذا مكان يمكن فيه إقامة البينة من كل مدع، ثم أطرق وقال:
ولقد قطعت اليوم مغصصٍ ... بمهذبين محلق ومقصص
وقال له: اصنع على هذا البيت والزم الصادين. فقال ابن سعدان: هذا ينبغي أن يقوله صاحب المنزل؛ وصدق، لأن جعفراً عنى بقوله: محلق نفسه وعنى بقوله: مقصص ابن سعدان، لأنه كان يفرط في قص لحيته، فقال له جعفر: قل، فلم يصنع شيئاً، فقلت أنا:
وطفقت أغتنم السرور كأنما ... قد فزت من لذاته بتلصص
ثم استدعينا منه القول فما أمكن، وكأنما يبس، أو اعتراه الخرس، فقال المهذب:
فكأنما أسقيتها من خاتمٍ ... ورقٍ بياقوت المدام مفصص