أبو العباس الضبي، وقد وقف على رءوسنا غلام كأنه فلقة قمر، فقال الصاحب مرتجلاً:
أين ذاك الظبي أينه
فقال أبو العباس الضبي:
شادن في زي قينة
فقال الصاحب:
بلسان الدمع تشكو ... أبداً عيناي عينيه
فقال أبو القاسم:
لي دين في هواه ... ليته أنجز دينه
فزاد الأمير أبو الفضل عند إنشاد أبي القاسم فقال:
لا قضى الله ببينٍ ... أبداً بيني وبينه
وأخبرت أن الأمير أبا الفتح بن أبي حصينة السلمي وأبا محمد عبد الله بن محمد بن سعد الخفاجي الحلبي
اجتمعنا عند الأمير سديد الملك أبي الحسين علي بن المقلد بن نصر بن منقذ الكناني، فتفاوضوا في فنون الأدب، فقال ابن أبي حصينة:
قمر إن غاب عن بصري
فقال الخفاجي:
ففؤادي حد مطلعه
فقال ابن أبي حصينة:
لست أنسى أدمعي ولهاً
فقال الخفاجي:
خلطت في فيض أدمعه
فقال سديد الملك:
قلت زرني قال مبتسماً ... طمع في غير موضعه
[قال علي بن ظافر]
أخبرني من أثق به بما معناه، قال: خرج الوزير أبو بكر بن عمار والوزير أبو الوليد بن زيدون، ومعهما الوزير ابن خلدون من إشبيلية إلى منظرةٍ لبني عباد بموضع يقال له الغيث، تحف به مروج مشرقة الأنوار، منتسمة النجود والأغوار، مبتسمة عن ثغور النوار، في زمن ربيع سقت السحب الأرض فيه بوسميها ووليها، وجلتها في زاهر ملبسها وباهر حليها وأرداف الربا قد تأزرت بالأزر الخضر من نباتها، وأجياد الجداول قد نظم النور قلائده حول لباتها ومجامر الزهر تعطر أردية النسيم عند هباتها، وهناك من البهار ما يزري بمداهن النضار ومن النرجس الريان ما يهزأ بنواعس الأجفان، وقد نووا الانفراد باللهو والطرب، والتنزه في روضتي النبات والأدب، وبعثوا صاحباً لهم يسمى خليفة هو قوام لذتهم، ونظام مسرتهم ليأتيهم بشراب يذهبون الهم بذهبه في لجين زجاجه، ويرمونه منه بما يقضي بتحريكه للهرب عن القلوب وإزعاجه، وجلسوا لانتظاره، وترقب عوده على آثاره. فلما بصروا به مقبلاً من الفج بادروا إلى لقائه، وسارعوا إلى نحوه وتلقائه. واتفق أن فارساً من الجند ركض فرسه فصدمه، ووطئ عليه فهشم أعظمه وأجرى دمه، وكسر قمعل الشراب الذي كان معه، وفرق من شملهم ما كان الدهر قد جمعه، ومضى على غلوائه راكضاً،