سقى الرحمن عصراً قد مضى لي ... بأكناف الرها صوب الغمام
وليلاً باتت الأنوار فيه ... تعاون في مدافعة الظلام
فنور من شموعٍ أو ندامى ... ونور من سقاةٍ أو مدام
يطوف بأنجم الكاسات فيه ... سقاة مثل أقمار التمام
تريك به الكثوس جمود ماء ... فتحسب راحها ذوب الضرام
يميل به غصوناً من قدودٍ ... غناء مثل أصوات الحمام
فكم من موصلي فيه يشدو ... فينسى النفس عادية الحمام
وكم من زلزلٍ للضرب فيه ... وكم للزمر فيه من زنام
لدى موسى بن أيوب المرجي ... إذا ماضن غيث بانسجام
ومن كمظفر الدين المليك ال ... أجل الأشرف الندب الهمام
فما شمس تقاس إلى نجوم ... تحاكي قدره بين الكرام
فدام مخلداً في الملك يبقى ... إذا ما ضن دهر بالدوام
فلما أنشدتها قام، فوضع فرجية من خاص ملابسه كنت عليه على كتفي، ووضع شربوسة بيده على رأس مملوك صغير كان لي.
قال: ومررت أيضاً عليه وقد أنفذني السلطان خلد الله تعالى ملكه في رسالة إلى الموصل في سنة سبع وستمائة
فلما عدت أمسكني عنده نحو شهر بالرها، وجرت لي عنده بدائه كثيرة، من جملتها أنه غنى بين يديه بشعر أعجمي ليس على أوزان العروض، فأعجبه واقترح على أن أصنع له على وزنه ليغني له به ما يفهمه، وأرسل إلي بذلك، فعملت في الوقت بالمعنى الذي اقترحه:
مالذة المعنى ... إلا مدامته
ووصل من عليه ... قامت قيامته
ظبي صريعه ... ما ترجى سلامته
والٍ على غرامي ... دامت ولا يته
في السلم لينه ... وفي الهيجا صرامته
كالسيف مقلتاه ... كالرمح قامته
كالبدر وجهه ... والأصداغ هالته
كالغصن حين تز ... هو به غلالته
كالليث حين تب ... دو عليه لامته
وليس مثل قلبي تخشى سآمته
إن الوفاء منه ... والصبر عادته
وولائمي عليه ... بانت لآمته
كالريح لم تؤثر ... عندي ملامته
فقم أدر شراباً ... لذت مرارته
قد جلت الدياجي ... عنا إنارته
فما السرور عندي ... إلا إدارته