[كان بمصر رجل زجلي كثير الوسخ]
قذر الجلد والثوب، لا تكاد تفارقه قفة فيها كراريس، يعرف بالمفشراتي، ويلقب أديب القفة، وكان يصنع مقامات مضحكة فيها غرائب وعجائب، يزعم أنه يضاهي بها مقامات الحريري، وكان يقول: أنا موازنه في كل شيء حتى في اسمه ولقبه، هو أبو القاسم محمد، وأنا القاسم أبو محمد وهو ابن علي وانا ابن علي وهو الجريرى وانا الجريرى وهو البصري، ويجعل هذا من أوضح البراهين وأقوى الأدلة على مساواته في كل قصيدة. ومما أنشدنيه لنفسه - وأنا أذكره على سبيل الإطراف، فلقد كان عجيب الشأن - قوله:
يا سابحاً في بركك ... وصائداً في شبكك
لا تحقرن ككتي ... فككتي كككتك
والككة: مركب من مراكب صعيد مصر ليس فيها مسمار.
وروى أن أبا نواس خرج يوماً وهو مخمور إلى الكناسة
فاستقبله أعرابي ومعه غنم فقال أبو نواس:
أيا صاحب الذود اللواتي تسوقها ... بكم ذلك الكبش الذي قد تقدما؟
فقال الأعرابي:
أبيعكه إن كنت تبغى شراءه ... ولم تك مزاحاً بعشرين درهما
فقال أبو نواس:
أخذت هداك الله رجعى جوانبا ... فأحسن إلينا إن أردت تكرما
فقال الأعرابي:
أحط من العشرين خمساً لأنني ... أراك ظريفاً أخرجنها مسلما
فقيل للأعرابي: أتدري من يكلمك منذ اليوم؟ فقال: لا، فقيل: أبو نواس؛ فرجع فلحقه، وحلف بصدقه غنمه إن لم يقبله.
[وروى أنه مر أعرابي ومعه نعجة وكبش وجمل صغير]
فقال أبو نواس لمن معه: ما رأيكم في تخجيله؟ فقالوا له: افعل، فقال
بكم النعجة التي ... خلفها الكبش والجمل؟
فقال الأعرابي:
بثلاثين درهماً ... جدداً أيها الأجل
[وروى أنه دخل على عنان، فكتب رقعة وناولها إياها]
فإذا فيها: