للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس بعد الشمس للأفق نور

واتفق لي أني اجتمعت مع القاضي أبي الحسن بن النبيه ومعنا جماعة من شعراء مصر

فأنشدهم قول مؤيد الدين الطفرائي في الهلال:

قوموا إلي لذاتكم يا نيام ... وأترعوا الكأس بصفو المدام

هذا هلال العيد قد جاءنا ... بمنجل يحصد شهر الصيام

فقال المذكور: لو شبهه بمنجل ذهب يحصد نرجس النجوم لكان أولى، ثم قال نظماً:

انظر إلى حسن هلالٍ بدا

فقلت:

يذهب من أنواره حندسا

فقال:

كمنجلٍ قد صيغ من عسجدٍ

قلت:

يحصد من شهب الدجى نرجسا

ثم زدت على هذا المعنى زيادتين بديعتين، يدركهما الناقد البصير، فقلت:

أما ترى الهلال يخفى أنجم ... الأفق بنور وجهه الوسيم

كمنجل من ذهبٍ يحصد من ... روض الظلام نرجس النجوم

ثم ولدت منه معنىً آخر ذكرته بعد هاتين القطعتين في كتاب التنبيهات وعجائب التشبيهات.

[ومن التمليط الواقع بين شاعرين ببيت لبيت ويسمى هذا النوع الإنفاذ]

ما ذكره أبو الفرج برواية تتصل بحماد الراوية، قال: تحرك كعب بن زهير يقول الشعر، فنهاه زهير مخافة أن يكون لم يستمكن شعره، فيروى له ما لا خير فيه، فكان يضربه في ذلك فيغلبه، فلما طال عليه أخذه فحبسه، ثم قال: والذي أحلف به لا يبلغني أنك قلت بيتاً إلا نكلت بك؛ فبلغه أنه يقول، فضربه ضرباً مبرحاً، ثم أطلقه وسرحه في بهمة وهو غليم صغير فانطلق فزعاً، ثم روح عشيةً، وهو يرتجز:

كأنما أحدو ببهمي عيراً ... من القرى موقرة شعيرا

فغضب زهير، فركب ناقته وأردفه، وهو يريد أن يعنته ليعلم ما عنده من الشعر، فقال زهير حين برز من الحي منشداً:

وإني لتعديني على الهم جسرة ... تخب بوصالٍ صرومٍ وتعنق

ثم ضرب كعباً، وقال: أجز يا لكع، فقال:

كبنيانة القرئى موضع رحلها ... وآثار نسعيها من الدف أبلق

فقال زهير:

على لاحبٍ مثل المجرة خلته ... إذا ما علا نشزاً من الأرض مهرق

<<  <   >  >>