للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يده عما يطالب به والتوقيع بحطيطة المال فلما أعمل المسير قال لغلامه: سلم جميع مابقى معك من النفقة إلى الراهب ليصرفه في مصالح الدير إلى أن نواصل تفقده في مستقرنا، وسار وماله حسرة غيرك، ولا أسف إلا عليك، يقطع الأوقات بذكرك؛ ولا يشرب إلا على ما يغنيه الغلام من شعرك، وهو الآن بمصر على أحسن الأحوال وأجملها ما يخل بتفقدي، ولا يغب بري.

قال أبو الفرج: فتعجلت بعد السلوة بما عرفت من حقيقة خبره، وأتممت يومي عند الراهب، وكان آخر العهد به.

قال علي بن ظافر: أقسم بالله إن هذه الحكاية - وإن طالت - لحقيقة أن تكتب بالمقل السود، على صفحات الخدود؛ ولقد أزرت بمرأى العقود بين الترائب والنهود؛ فرحم الله أبا الفرج وصاحبه؛ فلقد استحقا منا بهذه الحكاية حمداً وشكراً، وأبقيا لهما في الظرفاء ذكراً، ولقد بلغ من طربي بها، وارتياحي عند قراءتها، ما أنى أوسع هذا الفتى المارداني دعاءً وترحيماً، وأتبع ذكره صلاة عليه وتسليماً، حتى أني أكثر قصد ترب الماردانيين بالزيارة والدعاء؛ أملا أن يكون في جملتهم وطمعا أن يكون مدفونا معهم وما أنا وإياهم إلا كما قال خالد بن يزيد:

أحب بني العوام من أجل حبها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا

وهذه غاية جهدي، مع تربة دائرة ورمةٍ بالية، فرحمة الله كلما غرب نجم وطلع، ونبت نجم وأينع، بحرمة محمد صلى الله عليه وسلم!

[أنبأني العماد أبو حامد، أخبرني علي الحسن بن سعد الشاتاني]

قال لي نجم الدين بن الشهرزوري قاضي الموصل؛ دخل إلى شاب من أهل بغداد فأنشدني هذه الأبيات:

في نهر عيسى والهواء معنبر ... والماء فضي القميص صقيل

والطير إما هاتف بقرينه ... أو نادب يشكو الفراق ثكول

والدهر كالليل البهيم وأنتم ... غرر تضئ ظلامه وحجول

واستاجازني فقلت:

والغصن مهزوز القوام كأنما ... هبت عليه من الشمال شمول

وكأنما السرو التحفن بسندسٍ ... ورقصن فارتفعت لهن ذيول

[قال علي بن ظافر]

واتفقت لي وللقاضي الأجل شهاب الدين يعقوب سفرة إلى البيت المقدس للتبرك بما هناك من البقاع المقدسة، والمشاهد المعظمة،

<<  <   >  >>