لله يوم بحامٍ نعمت به ... والماء من حوضها ما بيننا جار
كأنه فوق شفاف الرخام بها ... ماء يسيل على أثواب قصار
فانتقد عليه الجماعة تشبيهه الماء بالماء، واستبردوا ما أتى به، فقال ابن الذروي:
وشاعر أوقد الطبع الذكاء له ... أوكاد يحرقه من فرط إذ كاء
أقام يجهد أياماً رويته ... وفسر الماء بعد الجهد بالماء
[وأخبرني الفقيه شجاع الغزلي رحمه الله]
قال: جلست يوماً بالوراقين على دكان الأديب أبي الفضل جعفر بن مفضل القرشي المنبوز بشلعلع، وثالثنا ذخيرة الملك المشهور خبره، المشكور أثره، وهو شيخ كان يغني ويلفق كلاماً من جنس كلام الحمقى والمعتوهين تلفيقاً موزوناً على أنه شعر؛ إلا أنه بلغ به عند الصالح وذويه ما لم يبلغه الأخطل عند عبد الملك وبنيه، وقد اجتمع الناس عليه، ووقفوا صفوفاً بين يديه، وهو يطرفهم بشعره، ويملأ آذانهم بنعره. قال: فمر بنا ابن وزير، فلما رأى الجمع جلس إلينا، ثم أخذ يقول أنصافاً من الشعر، وأبياتاً متفرقة في مدح ذخيرة الملك تارة والطنز به أخرى، يتباهى بها على العوام، ويملأ بها قلوب أولئك الطغام، ففهم الأديب أبو الفضل مقصده، وأراد أن يفضحه، ويظهر عيبه ويوضحه، فقال له: ما هذا الفتور، والشعر المقذور؟ والعجب منك أن تتباهى بالشعر ونحن حضور! وجر هذا الكلام خصاماً كان آخره أن استقر الأمر على أن يصنع كل منا قطعة في مدح ذخيرة الملك على روي يختاره أول خارج من الجامع، فكان حرف الذال، فابتدر جعفر وقال:
من كان في درك الغرام ولم يكن ... لحشاه من أسر الهوى إنقاذ
فذخيرة الملك الأجل بشعره ... ترقى القلوب من الهوى وتعاذ
وإذا بدا مترنماً فله على ... كل القلوب بشدوه استحواذ