كنا في دعوة أبي علي الحسن بن مروان الكاتب، وحضر فيها الوزير أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي، وهو إذ ذاك يخلف أبا جعفر الصيمري على الأمر ببغداد، فغنت الرقية زوج أبي علي صوتاً من وراء الستارة أحسنت فيه، فأخذ المهلبي الدواة، فكتب في الحال بديهاً وأنشدها لنفسه:
ذات غني في الغناء من نغمٍ ... تنفق في الصوت منه إسرافا
كأنها فارس على فرسٍ ... ينظر في الجرى منه أعطافا
وروى أن نصر بن أحمد الخبز أرزي دخل على أبي الحسن ابن المثني في أثر حريق المربد
فقال له: هل قلت في هذا شيئاً؟ فقال: ما قلت، ولكن أنشدك ارتجالا.
أتتكم شهود الهوى تشهد ... فما تستطيعون أن تجحدوا
جرى نفسي صعداً بينكم ... فأحرق من ذلك المربد
وهاجت رياح حنيني لكم ... فظلت بها ناره توقد
ولولا أدمعي لم يكن ... حريقكم أبداً يخمد
[ومثل هذا ما رويناه بالإسناد المتقدم عن ابن بسام في كتاب الذخيرة]
قال: ذكر سليمان بن محمد الصقلي، قال: كان بسوسة إفريقية رجل ظريف يهوى غلاماً، فتجنى الغلام عليه، فبينما هو ذات ليلة يشرب منفردا، وقد غلب عليه السكر، خطر بباله أن يأخذ قبس نار فيحرق به داره، ففعل، ووضع النار في الباب فاحترق، فاتفق أن رآه بعض الجيران، فخرج أهل الدار فأطفئوا الحريق، ولما أصبحوا حملوه إلى القاضي، فسأله: لم فعل؟ فأنشأ يقول:
لما تمادى على بعادي ... وأضرم النار في فؤادي
ولم أجد من هواه بدا ... ولا معيناً على السهاد
حملت نفسي على وقوفي ... ببابه حملة الجواد
فطار من بعض نار قلبي ... أقل من لمعة الزناد
فأحرق الباب دون علمي ... ولم يكن ذاك في مرادي
فاستظرفه القاضي واستلطفه، وغرم عنه أرش ما أتلفه.
[أنبأني الشيخ الفقيه النبيه أبو الحسن علي المقدسي]
عن أبي القاسم مخلوف بن علي القيرواني، عن عبد الله محمد بن أبي عبد الله الحافظ الحميدي، قال أخبرني أحمد بن قاسم، جار لنا كان بالمغرب، أن عبد الملك بن إدريس الحريري