قال: وكان على يد بدرٍ باز، فدفعه إلى البازدار، فضرب على يده وانفرد به عن الجيش، وجعل يستعيده الأبيات وهو ينشدها إلى أن استقر في مجلسه، ثم التفت إلى جماعة غلمانه وخاصته وأصحابه وقال: من أحبني فليخلع على هذا الشاعر. قال علقمة: فوالله لقد خرجت من عنده ومعي سبعون بغلا تحمل الخلع، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، فخرجت فقلت لمن ببابه: الحقوني يا متخلفين، فلحقوني بأجمعهم، فما فيهم إلا من خلعت عليه، ووهيت له من جائزتي.
[وذكر القاضي أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين الآمدي النائب]
كان في الحكم بالإسكندرية قال: دخلت على الأمير السعيد بن مظفر في أيام ولايته بالثغر، فوجدته يقطر دهناً على خنصره، فسألته عن سببه: فذكر ضيق خاتمه عليه، وأنه ورم بسببه. فقلت له: الرأي قطع حلقته قبل أن يتفاقم الأمر فيه، فقال: اختر من يصلح لذلك، فاستدعيت أبا منصور ظافر ابن القاسم الحداد، فقطع الحلقة وأنشد بديهاً:
قصر في أوصافك العالم ... وأكثر الناثر والناظم
من يكن البحر له راحةً ... يضيق عن خنصره الخاتم
فاستحسنه الأمير ووهبه الحلقة، وكانت من ذهب.
وكان بين يدي الأمير غزال متأنس قد ربض، وجعل رأسه في حجره، فقال ظافر:
عجبت لجرأة هذا الغزال ... وأمرٍ تخطى له واعتمد
وأعجب به غدا جاثماً ... وكيف اطمأن وأنت الأسد
فزاد الأمير والحاضرون في الاستحسان.
وتأمل ظافر شباكاً على باب المجلس تمنع الطير من دخولها، فقال:
رأيت ببابك هذا المنيف ... شباكاُ فداخلني بعض شك
وفكرت فيما رأى خاطري ... فقلت: البحار مكان الشبك
[وأنبأني العماد أبو حامد]
قال: وفد أبو الصقر الواسطي على نظام الملك رحمه الله - فحجب عنه، فكتب إليه بديهاً:
لله درك إن دارك جنة ... لكن خلف الباب منها مالكا
هذا نظام الملك ضد المقتضى ... قد كان يروى عن جهنم ذلكا
أنعم بتيسير الحجاب فإنني ... لاقيت أنواع النكال هنالكا
مالي أصادف في رحابك جفوةً ... وأنا غني راغب عن مالكا!