يا غرابين أنتما سبب البي ... ن فكيف اجتمعتما بمكان!
إنما قد وقفتما في خلو ... في فراق الأحباب تشتوران
فاحذرا أن تفرقا بين إلفي ... ن فما تدريان ما يلقيان
[قال علي بن ظافر]
وكان أبو سعد الخير البلنسي الشاعر كثير الذهول، مفرط النسيان ظاهر التغفل، على جودة نظمه ورطوبة طبعه، وكان كثيراً ما يسلك سكة الخفافين على بغلته، فاتخذت البغلة النفور من أطراف الأدم وفضلات الجلود الملقاة في السكة عادة لها، فعبر السكة يوماً مع أصحابه راجلاً، فلما رأى الجلود الملقاة نفر ونكص على عقبه، فقال له أصحابه: ما هذا أيها الأستاذ! فقال: البغلة نفرت بي. فعجبوا من تغفله، كيف ظن مع ما يقاسيه من ألم المشي أنه راكب، وأن حركته الاختيارية منه هي حركة البغلة الاضطرارية له، فكان تغفله ربما أوقعه في مهمةٍ عند من لا يعرفه. واقترح عليه بعض الأمراء أن يضع بيتين أول أحدهما كتاب وآخره ذيب، وأول الثاني جوارح وآخره أنابيب، فصنع بديهاً:
كتابي نجيع لاح في حومة الوغى ... وقارنه نسر هناك وذيب
جوارح أهليه حروف وربما ... تولته من نقط الطعان أنابيب
[قال علي بن ظافر]
وذكر لي بعض أصحابنا ما معناه، أن القاضي الموفق محمود بن قادوس، دخل على الأمير فرج الظهير، فعرض عليه دبوس صيني الحديد، عديم النظير والنديد لا تحصن منه خوذة ولا نثرة، ولا تقال لضربته عثرة، تجفل لصولته آساد الحرب إجفال الأنعام، وتتضاءل لهيبته البيض حتى تعود أوهى من بيض النعام، فأمره بوصفه، فقال على لسانه:
ما ضر من كنت في الهيجاء عدته ... ألا يعوج على بيض ولا أسل
إذ لا تحصن مني البيض لابسها ... ولا الدروع ولا مستأخر الأجل
[قال علي بن ظافر]
ودخل أبو خالد بن صغير القيسراني على الأمير تاج الملوك أبي سعيد نوري بن أتابك طغتكين صاحب دمشق، وبين يديه بركة فسيحة الفناء، صحيحة البناء، قد راق ماؤها وصفاً، وجر النسيم عليها ما رق من أذياله