ولا تسامح بغيضاً في معاشرةٍ ... فقلما تسع الدنيا بغيضين
وإنما نظم ما روى من أن الخليل بن أحمد دخل عليه بعض أصدقائه وهو على نمرقة صغيرة، فرحب به وأجلسه في مكانه، فقال له الرجل: إنها لا تسعنا، فقال له الخليل: ما تضايق سم الخياط بمتحابين، ولا اتسعت الدنيا لمتباغضين.
وخرج الأديب أبو الحسن علي بن حصن الإشبيلي إلى وادي قرطبة في نزهة فتذكر إشبيلية فقال بديهاً
ذكرتك يا حمص ذكرى هوىً ... أمات الحسود وتعنيته
كأنك والشمس عند الغروب ... عروس من الحسن منحوته
غدا النهر عقدك والطود تا ... جك والشمس أعلاه ياقوته
قال علي بن ظافر
وذكر صاحب قلائد العقيان ما هذا معناه: أن المستعين بالله أحمد بن المؤتمن بن هود الجذامي صاحب سرقسطة والثغور، ركب نهر سرقسطة يوماً لتفقد بعض معاقله المنتظمة بجيد ساحله، وهو نهر رق ماؤه وراق، وأزرى على نيل مصر ودجلة والعراق، قد اكتنفته البساتين من جانبه، وألقت ظلالها عليه، فما تكاد عين الشمس أن تنظر إليه، هذا على اتساع عرضه، وبعد سطح الماء من أرضه. وقد توسط زورقه زوارق حاشيته توسط البدر للهالة، وأحاطت به إحاطة الطفاوة للغزالة، وقد أعدوا من مكايد الصيد ما استخرج ذخائر الماء، وأخاف حتى حوت السماء، وأهلة الهالات طالعة من الموج في سحاب، وقانصة من بنات الماء كل طائرة كالشهاب، فلا ترى إلا صيوداً كصيد الصوارم، وقدود اللهاذم، ومعاصم الأبكار النواعم؛ فقال الوزير أبو الفضل ابن حسداي، والطرب قد استهواه، وبديع ذلك المرأى استرق هواه:
لله يوم أنيق واضح الغرر ... مفضض مذهب الآصال والبكر
كأنما الدهر لما ساء أعتبنا ... فيه بعتبى وأبدى صفح معتذر
نسير في زورقٍ حف السفين به ... من جانبيه بمنظومٍ ومنتثر
مد الشراع به نشراً على ملك ... بذ الأوائل في أيامه الأخر
هو الإمام الهمام المستعين حوى ... علياء مؤتمنٍ في هدي مقتدر
تحوى السفينة منه آيةً عجبا ... بحر تجمع حتى صار في نهر
تثار من قعره النينان مصعدةً ... صيداً كما ظفر الغواص بالدرر