لا تظن الظلام قد أخذ الشم ... س وأعطى النهار هذا الهلالا
إنما الشرق أقرض الغرب دينا ... راً فأعطاه رهنه خلخالا
وقطعة ابن المنجم أحسن من قطعة الأعز لتنصيفه السوار؛ وعل كل حال فقد أبدعا، ولم يتركا للزيادة في الإحسان موضعا.
[قال ابن ظافر]
وقد لي مثل ذلك مع القاضي الأعز ابن أبي الحسن علي بن المؤيد - رحمه الله - وذلك أنا مررنا في عيشة على بستان مجاور للنيل، فرأيناه فيه بئراً عليها دولابان يتجاذبان، قد دارت عليهما أفلاكهما بنجوم القواديس، ولعبت بقلوب ناظريهما لعب الأماني بالمفاليس، وهما يئنان أنين أهل الأشواق، ويفيضان ماءً أغزر من دموع العشاق، والروض قد جلا للأعين زبرجده، والأصيل قد راقه حسنه فنثر عليه عسجده، والزهر قد نظم جواهره في أجياد الغصون، والسواقي قد أذالت من سلاسل قبضها كل مصون، والنبت قد اخضر شاربه وعارضه، وطرف النسيم قد ركضه في ميادين الزهر راكضه، ورضاب الماء قد استتر من الظل في لمى، وحيات المجاري حائرة تخاف من زمرد النبات أن يدركها العمى، والنهر قد صقل صيقل النسيم درعه، وزعفران العشى قد ألقى في ذيل الجو ردعه، فاستحوذ علينا ذلك الموضع استحواذا، وملأ أبصارنا حسناً وقلوبنا التذاذ، وملنا إلى الدولابين شاكين أزمرا حين سجعت قيان الطير بألحانها، وشدت على عيدانها، أم ذكر أيام نعمى وطابا، وكانا أغصانا رطابا، فنفينا عنهما لذة الهجوع، ورجعا النوح وأفاضا الدموع طلباً للرجوع، وجلسنا نتذاكر ما في تركيب الدواليب من الأعاجيب، وتناشدنا ما وصفت به من الأشعار الغالية الأسعار، فأفضى بنا الحديث الذي هو شجون، إلى ذكر الأعمى التطيلي، وقوله في أسد نحاس يقذف الماء:
أسد ولو أني أنا ... قشه الحساب لقلت صخره
فكأنه أسد السما ... ء يمج من فيه المجره
فقال لي - رحمه الله - يتولد من هذا معنى في الدولاب يأخذ بمجامع المسامع، ويطرب الرائي والسامع، فتأملته فملئت إطرباً، وأوسعت إغرابا، وأخذ كل منا ينظم ما جاش به غمر بحره، وأنبأه به شيطان فكره، فلم يكن إلا كنقر العصفور، الخائف من الناطور، حتى كمل ما أردناه من غير أن يقف أحد منا