فصنعنا حالا من غير أن يقف أحدنا على ما صنعه الآخر، فكان الذي صنعته:
يا حبذا الموز وإسعاده ... من قبل أن يمضغه الماضع
لأن إلى أن لا مجس له ... فالفم ملآن به فارغ
سيان قلنا مأكل طيب ... فيه وإلا مشرب سائغ
والذي صنعه ابن رشيق:
موز سريع أكله ... من قبل مضغ الماضغ
مأكلة لآكلٍ ... ومشرب لسائغ
فالفم من لينٍ به ... ملآن مثل فارغ
يخال وهو بالغ ... للحلق غير بالغ
فأمرنا للوقت أن نصنع على حرف الذال، فعملنا ولم ير أحدنا صاحبه ما عمل، فكان ما عملته:
هل لك في موز إذا ... ذقناه قلنا حبذا
فيه شراب وغذا ... يريك كالماء القذى
لو مات من تلذذا ... به لقيل ذا بذا
وما عمله ابن رشيق:
لله موز لذيذ ... يعيذه المستعيذ
فواكه وشراب ... به يداوي الوقيذ
ترى القذى العين فيه ... كما يريها النبيذ
قال ابن شرف: فأنت ترى هذا الاتفاق لما كانت القافية واحدة والقصد واحداً، ولقد قال من حضر ذلك اليوم: ما ندري مم نتعجب، أمن سرعة البديهة أم من غرابة القافية، أم من حسن الاتفاق!
[قال أبو عبد الله بن شرف]
واستخلانا المعز يوماً وقال: أريد أن تصنعا شعراً تمدحان به الشعر الرقيق الخفيف الذي يكون على سوق بعض النساء، فإني أستحسنته، وقد عاب بعض الضرائر بعضاً به، وكلهن قارئات كاتبات، فأحب أن أريهن هذا، وأدعي أنه قديم لأحتج به على من عابه، وأسر به من عيب عليه؛ فانفرد كل منا، وصنع في الوقت؛ فكان الذي قلت:
وبلقيسيةٍ زينت بشعرٍ ... يسيرٍ مثلما يهب الشحيح