للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورؤسائهم؛ فحدثني أنه رأى في منامه قائلاً يقول له: لم لم ترث الصاحب بن عباد، مع فضلك وشعرك؟ فقلت: ألجمتني كثرة فضائله، فلم أدر بما أبدأ منها! وخفت أن أقصر، وقد ظن بي الاستيفاء لها، فقال: أجز ما أقول، قلت: قل، قال:

ثوى الجود والكافي معاً في حفيرةٍ

فقلت:

ليأنس كل منهما بأخيه

فقال:

هما اصطحبا حيين ثم تعانقا

فقلت: ضجيعين في قبر بباب دريه فقال:

إذا ارتحل الثاوون عن مستقرهم

فقلت:

أقاما إلى يوم القيامة فيه

وباب دريه، المحلة التي فيها تربته، وهي ما يستقبل المسافر من أصفهان إذا توجه من الري.

[ومن ذلك]

ما أخبرنا به أبو الصلت أمية بن عبد العزيز في كتابه المسمى الحديقة قال: أخبرني محمد بن حبيب القلانسي الشاعر، قال: حضرنا ليلة بمجلس السلطان أبي يحيى تميم بن المعز بن باديس، فالتفت حميد بن سعيد الشاعر إلى مملوكين من مماليكه قد جمعا بين رأسيهما متناجين، فقال لي: ملط:

انظر إلى اللمتين قد حكتا

فقلت:

جنحي ظلامٍ على صباحين

فقال:

فاعجب لغصنين كلما انعطفا

فقلت:

ماسا من اللين في وشاحين

فقال:

ظبيان يحمى حماها أسد

فقلت:

لولا كانا لنا متاحين

فقال:

فلو تدانيت منهما لدنت

فقلت:

مني في الحين أسهم الحين

[ومن ذلك]

ما روى أن المعتمد بن عباد ركب في يوم قاصداً الجامع، والوزير أبو بكر بن عمار يسايره، فسمع أذان المؤذن، فقال المعتمد:

هذا المؤذن قد بدا بأذانه

فقال ابن عمار:

يرجو بذاك العفو من رحمانه

فقال المعتمد:

طوبى له من شاهدٍ بحقيقةٍ

فقال ابن عمار:

إن كان عقد ضميره كلسانه

أخبرني الفقيه الأجل السعيد أبو الحسن علي بن عبد الوهاب بن خليف بالإسكندرية

قال: أخبرني الأديب المعروف بابن رزين، قال: أخبرني عبد الجبار بن حمديس الصقلي، قال: أقمت بإشبيلية لما قدمتها وافداً على المعتمد بن عباد مدةً لا يلتفت إلى، ولا يعبأ بي، حتى قنطت لخيبتي، مع فرط تعبي، وهممت بالنكوص على عقبي؛ فإني لكذلك ليلةً من الليالي في منزلي، إذ أتاني غلام، ومعه شمعة ومركوب، فقال لي: أجب السلطان، فركبت من فوري ودخلت عليه، فأجلسني على مرتبةٍ فنل، وقال لي: افتح الطاق الذي يليك، ففتحته فإذا بكور زجاج على بعد، والنار تلوح من بابيه، وواقده يفتحها تارةً، ويسدهما أخرى، ثم أدام سد أحدهما وفتح الآخر، فحين تأملتهما قال لي: ملط:

انظرهما في الظلام قد نجما

فقلت:

كما رنا في الدجنة الأسد

<<  <   >  >>