للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشمس هاربة للغرب دارعة ... بالنيل مصفرة من هجمة الغسق

وللهلال انعطاف كالسنان بدا ... من سورة الطعن ملقىً في دم الشفق

وهذا - لعمري - من البديع لذي لا يلحظ سواه، ولا يحفظ إلا إياه.

قال علي بن ظافر

والحكاية المشهورة عن ابن قلاقس، والوجيه أبي الحسن علي بن الذروي، أنهما طلعا منارة الإسكندرية، والوجيه يومئذ في عنفوان شبابه وصباه، وهبوب شماله في الجمال وصباه.

وابن قلاقس مغرىً به، دائب في تهذيبه، مبالغ في تفضيض شعره وتذهيبه، ولم تكن وقعت بينهما تلك الهناة، ولا استحكمت بينهما أسباب المهاجاة، فاقترح عليه ابن قلاقس أن يصف المنارة، فقال بديهاً:

وسامية الأرجاء تهدى أخا السرى ... ضياءً إذا ما حندس الليل أظلما

لبست بها برداً من الأنس ضافياً ... فكان بتذكار الأحبة معلما

وقد ظلتني من ذراها بقيةٍ ... ألاحظ فيها من صحابي أنجما

فخيلت أن البحر تحتي غمامة ... وأني قد حيمت في كبد السما

فحين رأى الأعز ما أتى به، اشتد سروره وفرحه، وقال يصفها ويمدحه:

ومنزلٍ جاوز الجوزاء مرتقباً ... كأنما فيه للنسرين أوكار

راسي القرار وسامي الفرع، في يده ... للنون والنور أخبار وآثار

أطلقت فيه عنان الفكر فاطردت ... خيل لها في بديع الشعر مضمار

ولم يدع حسناً فيه أبو حسنٍ ... إلا تحكم فيه كيف يختار

حلى المنارة لما حل ذروتها ... بجوهر الشعر بحر منه زخار

وما زال يذكى بها نار الذكاء إلى ... أن أصبحت علماً في رأسه نار

[وأخبرني الوجيه أبو الفضل جعفر بن جعفر الحموي وابن شيث من أصحابنا]

قالا: مضى الوجيه علي بن الذروي، والنجيب هبة الله بن وزير في جماعة إلى الحمام المعروف بأبي فروة، فجرى بينهما تنازع أدى إلى تناكر فضيلة الأدب، ثم تراضيا بأن يحكم بينهما الشريف العروف بأنكدودة، فحكم بأن يصنعا قطعتين في صفة الحمام على البديهة، ثم يقع التفضيل بينهما بقدر التفاوت بين القطعتين، فصنع ابن الذروي بديهاً

إن عيش الحمام عيش هنئ ... غير أن المقام فيه قليل

<<  <   >  >>