كان ليلة بين يدي المنصور بن أبي عامر، والقمر يبدو تارة ويخفيه السحاب تارة أخرى، فارتجل:
أرى بدر السماء يلوح حينا ... فيبدو ثم يلتحف السحابا
وذلك أنه لما تبدي ... وأبصر وجهك استحيا فغابا
مقال لو نمى عني إليه ... لراجعني بتصديقي جوابا
[وبهذا الإسناد]
قال الحميدي: حضر عقيل بن نصر مجلساً فيه أحداث من الكتاب، فاختلفوا في شيء من الآداب إلى أن أفضى نهم ذلك إلى السباب، فقال عقيل على البديهة، وأنشدنيها بعض الرؤساء ولم يعلم قائلها:
تعس الزمان لقد أتى بعجائبٍ ... ومحا رسوم الفضل والآداب
وأتى بكتابٍ لو انبسطت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتاب
[أخبرني الفقيه أبو الحسن علي بن فاضل بن صمدون الصوري]
عن الإمام الحافظ السلفي، عن أبي غالب شجاع بن فارس الرملي، عن أبي منصور محمد المالكي البصري، عن أبي محمد عبد الله بن محمد الأكفاني البصري قال: خرجت مع عمي أبي عبد الله الأكفاني وأبي الحسين بن لنكك وأبي عبد الله المفجع، وابن الحسين السباك في بطالة العيد، فمشوا حتى انتهوا إلى نصر بن أحمد الخبز أرزي، وهو جالس يخبز على طائفة، فجلسوا عنده ثم قاموا عند تزايد الدخان، فقال نصر لابن لنسكك: متى أراك يا أبا الحسين؟ فقال له أبو الحسين. إذا اتسخت ثيابي - وكانت ثيابهم جدداً قد لبسوها للتجمل بها في العيد - فمشينا في سكة بني سمرة، حتى انتهينا إلى دار أحمد بن المثني، فجلس أبو الحسين بن لنكك وقال: يا أصحابنا إن نصراً لا يخلى هذا المجلس الذي مضى لنا معه من شيء يقوله، ونحن نبدؤه قبل أن يبدأنا، واستدعى بدواة وكتب إليه:
لنصرٍ في فؤادي فرط حب ... يزيد به علي كل الصحاب
قصدناه فبخرنا بخوراً ... من السعف المدخن للثياب
فقال: متى أراك أبا حسينٍ؟ ... فقلت له: إذا اتسخت ثيابي
وأنقذ الأبيات إلى نصر، فأملى جوابها في الحال، فقرأناه فإذا هو قد أجاب:
منحت أبا الحسين صميم ودي ... فداعبني بألفاظٍ عذاب
أتى وثيابه كقتير شيبٍ ... فعدن له كريعان الشباب