للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[قال علي بن ظافر]

بت ليلةً أنا والشهاب يعقوب ابن أخت نجم الدين في منزل اعترفت له مشيدات القصور، بالانخفاض والقصور، وشهدت له ساميات البروج، بالاعتلاء والعروج، قد ابيضت حيطانه، وطاب استيطانة وابتهج به سكانه وقطانه، والبدر قد محا خضاب الظلماء، وجلا محياه في زورقة قناع السماء، وكسا الجدران ثياباً من فضة، ونثر كافوره على وجه الثرى بعد أن سحقه ورضه، والروض قد ابتسم محياه، ووشت بأسرار محاسنه رياه. والنسيم قد عانق قامات الغصون فميلها، وغصبها مباسم نورها وقبلها، وعندنا مغن قد وقع على تفضيله الإجماع، وتغايرت على محاسنه الأبصار والأسماع، إن بدا فالشمس طالعة، وإن شدا فالورقاء ساجعة، تغازله مقلة سراج قد قصر على وجهه تحديقه، وقابله فقلنا البدر قابل عيوقه، وهو يغار عليه من النسيم كلما خفق وهب، ويستجيش عليه بتلويح بارقة الموشى بالذهب، ويديم حرفته وسهده، ويبذل في إلطافه طاقته وجهده، فتارة يضمخه بخلوقه، وتارة يحليه بعقيقة، وآونة يكسوه أثواب شقيقه، فلم نزل كذلك حتى نعس طرف المصباح، واستيقظ نائم الصباح، فصنعت بديهاً في المجلس، وكتبت بما صنعت إلى الأعز بن المؤيد - رحمه الله - أصف تلك الليلة التي ارتفعت على أيام الأعياد كارتفاع الرءوس على الأجياد، بل فضلت على ليالي الدهر، كفضل البدر على النجوم الزهر، فقلت:

غبت عني يابن المؤيد في وق ... تٍ شهى يلهي المحب المشوقا

ليلة ظل بدرها يلبس الجد ... ران ثوباً مفضضا مرموقا

وغدا الطل فيه ينثر كافو ... را فيعلو مسك التراب السحيقا

وتبدى النسيم يعتنق الأغ ... صان لما سرى عناقاً رفيقا

بت فيها منادماً لصديقٍ ... ظل بين الأنام خلا صدوقا

هو مثل الهلال وجهاً صبيحاً ... ومثال النسيم ذهناً رقيقا

وغزال كالبدر وجهاً وغصن ال ... بان قدا والخمرة الصرف ريقا

مظهر للعيون ردفاً مهيلاً ... وحشى ناحلاً وقدار شيقا

إن تغنى سمعت داود أو لا ... ح تأملت يوسف الصديقا

وإذا قابل السراج رأينا ... منه بدراً يقابل العيوقا

<<  <   >  >>