للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلنا صدقت فما الذي ... أطفاك حتى صرت فحما

وأرسل إلى اليمن ولقب علم المهتدين، فقال فيه بعض الشعراء من قطعة يخاطب الخليفة:

بعثت لنا علم المهتدين ... ولكنه علم أسود

يعني أن الأعلام السود إنما تكون للعباسيين، وأعلام تلك الدولة بيض. وتولى مطابخ الخليفة، فقال فيه بعض الشعراء يخاطب الخليفة:

تولى على الشيء أشكاله ... فتحسب هذا لهذا أخا

تولى على المطبخ ابن الزبير ... تولى على مطبخ مطبخا

وكان ينافر في سوق الشعر ويسرق المعاني، فقال فيه ابن فادوس:

سلخت أشعار الورى جملةً ... حتى دعوك الأسود السالخا

فأخذ الأسعد الخطير يستحسن هذه القطعة، فقلت له: كما تقول، إلا أنه لحن في قوله: الأسود سالخ، وسام أبرص، فاللحن يقيم الوزن، والصواب يكسره، فهو بين خطتي خسف. فأخذ في المشاغبة إلى أن قال: من أين نقلت هذا؟ فقلت أحضر شاهدي عندك الساعة، كتاب الحيات من كتاب الحيوان للجاحظ، فقال: الجاحظ ليس من أهل اللغة، ونقله في هذا الموضع لا يسمع، فقال الأجل الفاضل: دع هذا، فالصواب معه، وهذا مجمع عليه، ولكن عرفنا كيف يصنع حتى ينظم المعنى؟ فقلت يترك هذا الوزن وينظمه في وزن يستقيم عليه الصواب، فقال: انظمه لنا، فقلت ارتجالا:

وسلخت أشعار البرية كلها ... حتى دعيت لذاك أسود سالخا

فقال: مثلك يقول لذاك: فقلت: حتى دعاك الناس، فقال: إنما كنت أريد أن تنظمه أخصر من بيته.

ودخل عليه من انقطع طلبه لدخوله، فلما سكن المجلس قال: تعرف له وجهاً يذهب النقد عنه، ويخلصه من الطعن عليه؟ قلت: مولانا أعلم، فقال: إنه حكى عن الناس تلقيبهم إياه بالأسود السالخ، فكأنه لحن على الحكاية، لا لأنه حكى عنه هذا. فاستحسناه وإن لم يكن صحيحاً من الأعذار. ثم خرجت فلقيت الأسعد بن عبد الرحمن بن شيث فحكيت له الحكاية، فقال: لما طلب منك اختصاره كنت تقول - وقال على الفور:

وسلخت أشعار الورى ... فدعوك أسود سالخا

<<  <   >  >>