للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنحن بنو زيد قطعنا زمامها ... فتاهت كسارٍ طائش الرأس عارم

فقال بشر: يا جرير غلبته بقطعك الزمام وذهابك بالناقة. ثم أحسن جائزتهما، وفضل جريراً.

[ومن ذلك ما ذكره ابن سلام في طبقات الشعراء]

قال: اجتمع جرير والفرزدق والأخطل في مجلس عبد الملك، فأحضر بين يديه كيساً فيه خمسمائة دينار، وقال لهم: ليقل كل منكم بيتاً في مدح نفسه، فأيكم غلب فله الكيس، فبدر الفرزدق فقال:

أنا القطران والشعراء جربى ... وفي القطران للجربى شفاء

فقال الأخطل:

فإن تك زق زاملةٍ فإني ... أنا الطاعون ليس له دواء

فقال جرير:

أنا الموت الذي آتى عليكم ... فليس لهاربٍ مني نجاء

فقال عبد الملك: خذ الكيس، فلعمري إن الموت أتى على كل شئ.

[ومن ذلك ما روى]

أن جريراً اجتمع مع الفرزدق في مجلس عبد الملك، فقال الفرزدق: النوار بنت مجاشع طالق ثلاثاً إن لم أقل بيتاً لا يستطيع ابن المراغة أن ينقضه أبداً، ولا يجد في الزيادة عليه مذهباً، فقال عبد الملك: ما هو؟ فقال:

فإني أنا الموت الذي هو واقع ... بنفسك فنظر كيف أنت مزاوله

وما أحد يا بن الأتان بوائلٍ ... من الموت إن الموت لاشك نائله

فأطرق جرير قليلاً ثم قال: أم حرزة طالق منه ثلاثاً إن لم أكن نقضته وزدت عليه. فقال عبد الملك: هات فقد - والله - طلق أحد كما لا محالة، فأنشد:

أنا البدر يعشى نور عينيك فالتمس ... بكفيك يا بن القين هل أنت نائله

أنا الدهر يفني الموت والدهر خالد ... فجئني بمثل الدهر شيئاً يطاوله

فقال عبد الملك: فضلك - والله - يا أبا فراس، وطلق عليك. فقال الفرزدق: فما ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: وأيم الله لا تريم حتى تكتب إلى النوار بطلاقها. فتأنى ساعة، فزجره عبد الملك، فكتب بطلاقها وقال في ذلك:

ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقةً نوار

وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار

ولو أني ملكت يدي ونفسي ... لكان لها على القدر الخيار

<<  <   >  >>