وكم لك نعمة من غير ذكرٍ ... وكم لك منة من غير من
[وكان حسان بن عجل الكلبي المعروف بعرقلة أعور]
وكان يجلس على حانوت خياط بدمشق يعرف بأبي الحسين الأعرج، وكان له طبع في قول الشعر، فقال له عرقلة يوماً يداعبه:
ألا قل للرقيع أبي حسينٍ ... أراني الله عينك مثل عيني
فقال الأعرج مجاوباً له:
ألا قل لابن كلبٍ لا ابن عجلٍ ... أراني الله رجلك مثل رجلي
فخجل عرقلة من قوله وانصرف.
الباب الثاني
في بدائع بدائه الإجازة
الإجازة أن ينظم الشاعر على شعر غيره في معناه ما يكون به تمامه وكماله. وقد يكون بين متعاصرين وغير متعاصرين؛ وهي مشتقة من الإجازة في السقي، يقال: أجاز فلان فلاناً إذا سقاه أو سقى له، فكأنهم شبهوا عمل الشاعر المجيز لعمل الشاعر المجاز شعره، بسقي الشخص للشخص، قال يعقوب بن السكيت: يقال للذي يرد الماء: مستجيز، وأنشد:
وقالوا فقيم قيم الماء فاستجز ... عبادة إن المستجيز على قتر
قال أبو علي حسن بن رشيق مولى الأزد: ويجوز أن يكون من أجزت عن فلان الكأس إذا صرفتها عنه - دون أن يشربها - إلى من يليه، وكأنهم شبهوا الشاعر لما تعدى إتمام شعره بمجيز الكأس، قال أبو نواس:
وقلت لساقيها أجزها فلم يكن ... لينهى أمير المؤمنين وأشربا
فجوزها عني عصاراً ترى لها ... على الشرف الأعلى شعاعاً مطنبا
وقد ذكرنا أن الإجازة تكون بين عصرين وغير عصرين، ونحن الآن نجعلها لك في فصلين، ونذكر ما ورد في كل فصل من الأخبار على ترتيب الأعصار، وهو شرطنا في هذا الكتاب.
الفصل الأول
في إجازة الشاعر لمعاصره
فمن هذا القسم ما تكون الإجازة فيه بقسيم لقسيم
كما روى الزبير بن بكار قال: استنشد عبد الله بن عباس - رضوان الله عليه - عمر بن أبي ربيعة فأنشده:
تشط غداً دار جيراننا
فبدره ابن عباسٍ، فقال:
وللدار بعد غدٍ أبعد
فقال له عمر: كذلك قلت، أصلحك الله! أفسمعته؟ قال: لا، ولكن