للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها ناظر في ذرى ناضرٍ ... كما ركب السن فوق القناة

لوت حين ولت لنا جيدها ... فأي حياةٍ بدت من وفاة

كما ذعر الظبي من قانصٍ ... فمر وكرر في الالتفات

ثم صنع بديهاً:

ولطيفة الألفاظ لكن قلبها ... لم أشك منه لوعةً إلا عتا

كملت محاسنها فود البدر أن ... يحظى ببعض صفاتها أو ينعتا

قد قلت لما أعرضت وتعرضت: ... يا مؤيساً يا مطعماً قل لي متى!

قالت أنا الظبي الفريد وإنما ... ولي وأوحش نبوة فتلفتا

[قال علي بن ظافر]

وحضر يوماً عند بني خليف بظاهر الإسكندرية في قصرٍ رسا بناؤه وسما، وكاد يمزق بمزاحمته أثواب السما، وقد ارتدى جلابب السحائب ولاث عمائم الغمائم، وابتسمت ثنايا شرفاته، واتسمت بالحسن حنايا غرفاته، وأشرق على سائر نواحي الدنيا وأقطارها، وحبته السحائب بما ائتمنت عليه من ودائع أمطارها، والرمل بفنائه قد نثر تبره في زبرجد كرومه، والجو قد بعث إليه لطيمةً نسيمة، والنخل قد أظهرت جواهرها، ونثرت غدائرها، والطل ينثر لؤلؤه في مسارب النسيم ومساحبه، والبحر يرعد غيظاً من عبث الرياح به. فسئل وصف ذلك الموضع الذي تمت محاسنه، وغبط به ساكنه، فجاشت لذلك لجج بحره، فألقت إليه جواهرها لترصيع لبة ذلك القصر ونحره، فقال:

قصر بمدرجة النسيم تحدثت ... فيه الرياض بسرها المستور

خفض الخورنق والسدير سموه ... وثنى قصور الروم ذات قصور

لاث الغمام عمامة مسكيةً ... وأقام في أرضٍ من الكافور

غنى الربيع به محاسن وجهه ... فافتر عن نورٍ يروق ونور

فالروض يسحب حلةً من سندس ... تزهو بلؤلؤ طله المنثور

والنحل كالغيد الحسان تقرطت ... بسبائك المنظوم والمنثور

والرمل في حبك النسيم كأنما ... أبدى غصون سوالف المهجور

والبحر يرعد متنه فكأنه ... درع يشن بمعطفي مقرور

وكأننا والقصر يجمع شملنا ... في الأفق بين كواكب وبدور

<<  <   >  >>