رقيق في خدلجةٍ رداحٍ ... خفيف مثل جسم فيه روح
حكى زغب الخدود كل خد ... به زغب فمعشوق مليح
فإن يك صرح بلقيسٍ زجاجاً ... فمن حدق العيون لها صروح
وكان الذي قال ابن رشيق:
يعيبون بلقيسية أن رأوا بها ... كما قد رأى من تلك من نصب الصرحا
وقد زادها التزغيب ملحاً كمثل ما ... يزيد خدود الغيد تزغيبها ملحا
فنتقد المعز على ابن رشيق قوله: يعيبون، وقال: قد أجدت لخصمها حجة بأن بعض الناس عابه. وهذا نقد ما كنت فطنت له.
[وروى ابن بسام في كتاب الذخيرة]
وهو روايتي عنه بالإسناد المتقدم قال: حكى أبو صفوان العتكي قال: كان أو إسحاق الحصري يختلف إلى بعض المشيخة من القيروان، وكان ذلك الشيخ كلفاً بالمعذرين، وهو القائل فيهم:
ومعذرين كأن نبت عذارهم ... أقلام مسك تستمد خلوقا
قرنوا البنفسج الشقيق ونظموا ... تحت الزبرجد لؤلؤا وعقيقا
قال وكان يختلف إليه غلام من أبناء أعيان أهل القيروان وكان به كلفاً فبينا هو يوماً والحصري جالس عنده
وقد أخذ في الحديث إذا أقبل الغلام:
في صورةٍ كملت تخال بأنها ... بدر السماء لستةٍ وثمان
يعشى العيون ضياؤها فكأنها ... شمس الضحى تعشى بها العينان
فقال له الشيخ: يا أبا إسحاق، ما تقول فيمن هام، في هذا الغلام، وصبا لهذا القد والقوام؟ فقال الحصري: الهيمان به والله غاية الظرف، والصبوة إليه من تمام اللطف؛ لا سيما وقد شاب كافور خده هذا المسك الفتيت، وهجم على صبحه هذا الليل البهيم، والله ما خلت بياضه في سواده إلا بياض الإيمان في سواد الكفر، أو غيهب الظلماء في منير الفجر؛ فقال: صفه يا حصري، فقال: من ملك رق القول حتى ذلت له صعابه، وانقاد له جموحه وسطع له شهابه، أقعد مني بوصفه؛ فقال: صفه فإني معمل فكري في ذلك. ثم أطرق كل منهما لحظة؛ فكان الذي صنعه الحصري:
أورد قلبي الردى ... لام عذارٍ بدا
أسود كالكفر في ... أبيض مثل الهدى
فقال الشيخ: أتراك اطلعت على ضميري، أم خضت بين جوانحي! فقال له: ولم ذلك