وشغلت بعذوبة لفظك، مع أني لم أرو طرفي عن وجهه المقمر، ولا متعته بفده المثمر، لتنكيسه رأسه عند طلوعي إليه، فقلت: ولم ينكس رأسه؟ فوالله ما رأيت أشبه بالبدر منه خداً، وبالغصن قداً، ولا بالدر ثغرا، ولا بالمسك شعرا! فقال: يا أبا عبد الله، ما أصبرك بمحاسن الغلمان؛ لاسيما من فضضت كف الجمال صفحته، وذهبت وجنته، وخفت على تفاح خده العيون، فوكلت بها الجفون. يا أبا عبد الله، ينكس رأسه لأني علقته وحده هلالي، وطرفه غزالي، وفرعه ظلامي، ولحظه بابلي، وقده قضيبي، وردفه كثيبي، وخصره ساجي، وصدره عاجي؛ فكأن طرفي يشوب كافوره بالعقيق، فيحرج لذلك صدر العشيق؛ حتى بدا عداره فأبدي من يميمه نقشا على فضى أديمة، فتوهم لذلك الطاهر الأعراق، الطيب الأخلاق، أن ذلك مما يضعف قوى محبته، ويمحو رسوم مودته، فقلت له: بحقي عليك يا أبا علي، ألا قلت في هذا المعنى شيئا! فأطرق قليلاً ثم أنشد:
وأسمر اللون عسجدي ... يكاد يستمطر الجهاما
ضاق بحمل العذار ذرعاً ... كالمهر لا يعرف اللجاما
ونكس الرأس إذ رآني ... كآبة واكتسى احتشاما
وظن أن العذار مما ... يزيح عن قلبي الغراما
وما دري أنه نبات ... أنبت في جسمي السقاما
وهل ترى عارضيه إلا ... حمائلا حملت حساما!
وهذا كما قال ابن المعتز:
ومستحسنٍ وصلي جعلت وصاله ... شعاري، فما أنفك دأباً أوصله
كأن بعينيه إذا ما أدارها ... حساماً صقيلاً والعذار حمائله
[قال علي بن ظافر]
وذكر أن أبا علي حسن بن رشيق دخل على المعز بن بادبس يوماً، وفي يده أترجة كأنها واسطة ذهب، أو جذوة لهب، فأشار إلى وصفها، فارتجل:
أترجة سبطة الأطراف ناعمة ... تلقى النفوس بحظ غير منحوس