قال: وأبى ابن وزير أن ينشد ما عمله، بل كتبه في رقعة وقال: إنما أنشده بحضرة أبي الحسن بن بري - رحمه الله - فأتيناه جميعاً، فأنشدته أنا وجعفر ما صنعنا، فأثنى خيراً، ثم ناوله ابن وزير الرقعة فإذا أولها يقول:
هذا الفتى ذخي ... رة الملك نعيذه
فلما قرأه الشيخ جمع وجهه، ثم قرأ الثاني، فإذا هو:
إذا تغنى منشداً ... قلوبنا منفوذه
فزاد في تجمعه، ثم قرأ الثالث، فإذا هو:
من كل هم بيننا ... يبدو لنا شذوذه
فرمى الرقعة من يده، فكأنما ألقمه حجراً. ثم ادعى أننا غيرنا سبكه، وكتب بذلك محضراً منظوماً كتب عليه الشعراء شهاداتهم بقطع من الشعر، أنشدني كثيراً منها، ثم توفى قبل أن أكتبها عنه.
وأخبرني بهاء الدين أسعد بن يحيى بن منصور بن عبد العزيز ابن وهبان السلمى المعروف بابن السنجاري بحماة، وكتبه لي بخطه
قال: اجتمع عندي جماعة منهم جمال الدين بن رواحة وعلم الدين الشاباني الشاعر المعروف بقاع، وضياء الدين سعيد بن حياة المقري، وضياء الدين الحوراني، وهو في ذلك الوقت مشهور بعشق البهاء على بن محمد الخرساني المعروف بابن الساعاتي؛ فبينما نحن مجتمعون إذ دخل علينا ابن الساعاتي، وهو في عنفوان شبابه، ونهاية حسنه، وسنه حينئذ أربع عشرة سنة، فداعبناه، فجرد سيفا، وجعل يريد ضرب عنق الضياء الحوراني مداعباً له، وذلك بعد أن عصب عينيه بطرف عمامته، فكشف الضياء عن وجهه، وقال: أنتم كلكم تدعون أنكم فضلاء الوقت، فقولوا في هذا شيئاً، فعمل كل منا قطعة، وخبأها في بيقاره، فقال الضياء - وكانت فيه دعابة: أراكم قد عملتم عمل القطاط، فأنشدونا ما علمتم، فقلنا على سبيل الهزء: لا يتقدم أحد على علم الدين، فجعل الشاباني يصف شعره ويقول: قد علمت بيتين ما يقدر أحد أن يعمل مثلهما، وزاد في الدعوى، ثم أنشد:
قمر عندنا به ... نهر جيرون كوثر
لو تراءى لسنجرٍ ... قبل الأرض سنجر
فجرى بينه وبيت الحوراني من المشاغبة ما ضاق به الوقت، وقال له: ويحك! أين هذا مما نحن فيه! وأي مناسبةٍ بينه وبين المعنى الذي اقترح عليك! وكان