إن قر فالطعن بالأيور وإن ... فر أجادت نعالهم رشقه
فللسراميز رأسه قبق ... وللفياشي خناره حلقه
[قال علي بن ظافر]
كان يصحبني وأنا في خدمة الأشرف - أبقاه الله - رجل كاتب حسن الخط من أهل العلم والخبرة، هاجر إلى دمشق، يقال له جمال الدين علي بن أبي طالب، فلما رأيت ما عليه الأحوال من الاختلال، وقويت في نفسي شهوة الانفصال؛ كنت ليلي ونهاري مكباً على الدعاء بتسهيل ذلك وتعجيله، وتيسير ما أرجوه منه؛ وأقمت على هذا مدة طويلة، بحيث كان الأمر مشهوراً عند كل أحد من الحاشية، فأخبرني أنه بات مشغول القلب بما يسمعه مني في ذلك؛ فرأى كأنه في جامع دمشق تحت النسر، وإلى جانبه شيخ؛ وكأنهم ينتظرون الصلاة، وإذا برجل شاب قد أقبل من الباب الغربي، فقال له الشيخ: يا أبا العباس، أجز:
إن ابن ظافر سوف يظ ... فر بالذي يرجوه عاجل
فقال:
ظفرت عداه بخيبةٍ ... وغدا لما قد شاء نائل
فسررت بذلك، فلم يكن شيء أسرع من عود الملك الأشرف - أبقاه الله - من دمشق، وانفصالي من خدمته على الوجه الجميل، وكان ذلك - والله - أعظم ظفرٍ، وأرفق قدر، ولو لم يكن في إلا الرجوع إلى الباب الذي منه درجت، وفي خدمته تخرجت؛ والوطن الذي هو أول أرضٍ مس ثراها جلدي، وعلقت فيها تمائمي، فالله تعالى يحقق الرجاء ويكمل الأمل، بمنه وطوله.
وكنت أنا وابن المؤيد يوماً عائدين إلى مصر
فثار قتام شديد، ترب وجه الأرض، وأقذى عين الشمس، فقال:
وقتامٍ إذا رآه بصير ... عاد مما يقذيه مثل الضرير
ثم استجازني فقلت:
رد ثوبي مصندلاً بعدما كا ... ن شديد النقاء كالكافور
واجتمعت يوماً بالأجل شهاب الدين ابن أخت الوزير نجم الدين العزيزي رحمه الله
فأنشدني لنفسه في غلام رآه في الحمام مؤتزراً بإزارٍ أخضر:
ومرتج ردفٍ أزروه بأخضرٍ ... كما ماج ماء قد تردى بطحلب
واستجازني، فقلت:
يخيل لي مرآه نعمان أطلعت ... قضيباً على حقفٍ ليبرين معشب