حتى خفى عن العين خائضاً، وحين وصل الوزراء إليه، تأسفوا عليه، وأقاضوا في ذكر الزمن وعدوانه، والخطب وألوانه، ودخوله بطوام المضرات على توام المسرات، وتكديره الأوقات المنعمات، بالآفات المؤلمات، فقال ابن زيدون:
أنلهو والحتوف بنا مطيفة ... ونأمن والمنون لنا مخيفة
وقال ابن خلدون:
وفي يومٍ وما أدراك يوم ... مضى قمعا لنا ومضى خليفه
وقال ابن عمار:
هما فخارتا راحٍ وروحٍ ... تكسرتا فشقفات وجيفه
[وأخبرني الشريف فخر الدين أبو البركات العباس بن عبد الله المقدم ذكره]
قال: أخبرني الشيخ تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي، قال: أخبرني بن الدهان القرطبي، قال: مضيت أنا وأبو الفضل البغدادي وابن صلاح إلى دار أمين الدولة أبي الحسن هبة الله بن صاعد، ابن التلميذ، فأساء لنا حاجبه قنبر، وأفرط في منعنا من الدخول إليه، فقال أبو الفضل:
قد بلينا في دار أس ... عد خلقٍ بمدبر
فقلت:
بقصيرٍ مطولٍ ... مستطيلٍ مقصر
فقال ابن الصلاح:
كم تقولون قنبر! ... قطعوا رأس قنبر
ثم أذن لنا، فدخلنا نضحك، فسألنا عن سبب ضحكنا فأخبرناه بالسبب، فقال: أنشدوني الأبيات جملة أميز لكم قول كل واحد منكم، فأنشدناه الأول، فقال: هذا لأبي الفضل لأنه شاعركم، ثم أنشدناه الثاني، فقال: هذا لك لأن فيه شيئاً من ألفاظ المهندسين، وأنت رجل مهندس، ثم قال: والثالث لابن الصلاح لأنه مخضرم.
قال علي بن ظافر
مضيت أنا وشهاب الدين المقدم ذكره والقاضي الأعز بن المؤيد - رحمه الله - في جماعة من أصحابنا إلى الدير المعروف بالقصير، إيثاراً لنظر تلك الآثار، فلما تنزهنا في حسن منظره، وقضينا الوطر من نظره، تعاطينا القول فيه جريا على عادة الخلعاء والبلغاء، وظرفاء الأدباء ومجان الشعراء، الذين نبذوا الوقار بالعراء، فقطعوا طريق الأعمار، بطروق الأغمار، وضيعوا العين والعقار في تحصيل العين والعقار، فقال الشهاب: