أبا عامر هل غير جدواك واكف ... وهل غير من عاداك في الأرض خائف!
يسوق إليك الدهر كل غريبةٍ ... وأعجب ما يلقاه عندك واصف
وشائع نورٍ صاغها هامر الحيا ... عليها فمنها عبقر ورفارف
ولما تناهى الحسن فيها تقابلت ... عليها بأنواع الملاهي الوصائف
وأعجب منها أنهن نواظر ... إلى بركة ضمت إليها الظرائف
حصاها اللآلي سابح في عبابها ... من الرقش مسموم اللعابين راجف
ترى ما تشاء العين في جنباتها ... من الوحش حتى بينهن السلاحف
فاستغربت له يومئذ تلك البديهة في مثل ذلك الموضع، وكتبها المنصور بخطه، وكان إلى ناحية من تلك السقائف سقيفة، فيها جارية من النوار تجدف بمجاديف من ذهب لم يرها صاعد؛ فقال له المنصور: إلا أنك لم تصف هذه الجارية، فارتجل:
وأعجب منها غادة في سفينةٍ ... مكللة تصبو إليها المهاتف
إذا راعها موج من الماء تتقي ... بسكانها ما أنذرته الرواجف
متى كانت الحسناء ربان مركبٍ ... تصرف في الكفين منها المجاذف!
ولم تر عيني في البلاد حديقةً ... زهتها أزاهير الربا والزخارف
ولا غرو أن شاقت معاليك روضة ... تقلبها في الراحتين الوصائف
فأنت امرؤ لو رمت نقل متالعٍ ... ورضوى ذرتها من سطاك العواصف
إذا رمت قولاً أو طلبت بديهة ... فكلني لها إني لمجدك واصف
فأمر له المنصور بألف دينار ومائة ثوب، وأجرى عليه في كل شهر ثلاثين دينارا، وألحقه في ديوان الندماء.
وروى أنه خرج معه يوماً إلى الزهراء
فمد المنصور يده إلى شيء من الريحان المعروف بالترنجان، فرمى به، وأشار إليه أن يقول فيه، فارتجل:
لم أدر قبل ترنجانٍ عبثت به ... أن الزمرد أغصان وأوراق
من طيبه سرق الأترج نكهته ... يا قوم حتى من الأزهار سراق!
كأنما الحاجب المنصور علمه ... فعل الجميل فطابت منه أخلاق