فحين رأت تلك الجماعة، المعروفة بالخلاعة، ورمقوا الظبي بعيون أسود رأت فريسة، ارتاعت وتخوفت أن يخطف منها تلك الدرة النفيسة، فاستدنت إليها حشفها، وألزمته عطفها، فارتجل ابن شهيد قائلاً:
وداعيةٍ تحت طي القناع ... دعاها إلى الله بالخير داع
أتت بابنها تبتغي منزلاً ... لوصل التبتل والإنقطاع
فجاءت تهادي كمثل الرءوم ... تراعى غزالا بروض اليفاع
أتتنا تبختر في مشيها ... فحلت بوادٍ كثير السباع
وجالت بأكنافه جولةً ... فحل الربيع بتلك البقاع
وريعت حذاراً على طفلها ... فناديت: يا هذه لا تراعى!
غزالك تفرق منه الليوث ... وتهرب منه كماة المصاع
فولت وللمسك من ذيلها ... على الأرض خط كخط الشجاع
[أنبأني الشيخ الفقيه أبو الحسن علي بن الفضل المقدسي]
عن الفقيه أبي القاسم مخلوف بن علي القيرواني، عن أبي عبد الله محمد بن أبي سعيد السرقسطي، عن أبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، قال: أخبرنا أبو الحسن الراشدي، عن أبي عامر بن شهيد أن عبد الله بن فاكان الشاعر تناول نرجسة، فركبها في وردة، ثم قال له ولصاعد - قال علي بن ظافر: يعني أبا العلاء صاعداً اللغوي المقدم ذكره -: صفاها، فأفحما ولم يتجه لهما القول؛ فبيناهم على ذلك إذ دخل الزهيري - قال علي بن ظافر: يعني صاحب أبي العلاء صاعد وتلميذه، وكان أديباً شاعراً أمياً لا يقرأ ولا يكتب - فلما استقر به المجلس أخبر بما هم فيه، فجعل يضحك ويقول بغير روية:
ما للأديبين قد أعيتهما ... مليحة من ملح الجنة
نرجسة في وردةٍ ركبت ... كمقلةٍ تنظر في وجنه
وبهذا الإسناد عن الحميدي قال: أخبرني الرئيس أبو الحسن عبد الرحمن بن راشد الراشدي
قال: لما نعيت أبا عامر بن شهيد إلى ابن الخياط الشاعر - وقد عرفت ما كان بينهما من المنافسة - بكى وأنشدني لنفسه بديهةً:
لما نعى الناعي أبا عامرٍ ... أيقنت أني لست بالصابر
أودى فتى الظرف وترب الندى ... وسيد الأول والآخر