القيرواني، عن أبي عبد الله محمد بن أبي سعيد السرقسطي، عن أبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي الحافظ، قال: أخبرنا أبو العباس البغدادي. قال: حدثنا أبو البركات محمد بن عبد الواحد الزبيري، حدثنا أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج، قال حدثنا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، قال: لما وصل المأمون إلى بغداد، وقر بها، قال ليحيى ابن أكثم: وددت لووجدت رجلا مثل الأصمعي ممن يعرف أخبا العرب وأيامها وأشعارها، فيصحبني كما صحب الأصمعي الرشيد؛ فقال يحيى: ها هنا شيخ يعرف الأخبار، يقال له غياث بن ورقاء الشيباني، قال: أحضره، فلما حضر قال له يحيى: إن أمير المؤمنين يرغب في حضورك مجلسه فقال: أنا شيخ كبير، لاطاقة لي بذلك؛ لأنه قد ذهب مني الأطيبان، فقال له المأمون: لابد من ذلك؛ فقال الشيخ: فاسمع ما حضرني، وأنشد اقتضاباً:
أبعد شيبي أصبو ... والشيب للمرء حرب
شيب وسن وإثم ... أمر لعمرك صعب
يابن الإمام فهلا ... أيام عودي رطب
وإذ شفاء الغواني ... منى حديث وقرب
وإذ مشى قليل ... ومنهل العيش عذب
والآن حين رأى بي ... عواذلي ما أحبوا
آليت أشرب راحاً ... ماحج لله ركب
فقال المأمون: اكتبوها بالذهب؛ وأمر له بجائزة وتركه.
[وبهذا الإسناد عن الحميدي]
قال: أخبرنا أبو محمد على بن أحمد، قال: أخبرنا عبد الله بن ربيع التيمي، قال: حدثنا أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي، قال: حدثني أبو معاذ عبدان الخوبي المتطبب، قال: دخلنا يوماً بسر من رأى علي عمرو بن بحر الجاحظ نعوده، وقد فلج، فلما أخذنا مجالسنا أتى رسول المتوكل إليه فقال: وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل، ولعاب سائل! ثم أقبل علينا فقال: ما تقولون في رجل له شقان، أحدهما لو غرر بالمسال ما أحسن، والشق الآخر يمر به الذباب فيغوث! وأكثر ما أشكوه الثمانون، ثم أنشدنا بيتاً من قصيدة عوف بن ملحم الخزاعي. قال أبو معاذ: وكان سبب هذه القصيدة أن عوفاً دخل على عبد الله بن طاهر، فسلم