رخص فيه شيخ له حسب ... فكان حسبي من المنى وكفى
[قال ابن بسام]
وحكى أن جماعة من أصحاب ابن شهيد قالوا له: يا أبا عامر إنك لآت بالعجائب، وجاذب بذوائب الغرائب، ولكنك شديد الإعجاب بما يأتى منك، هاز لعطفك عند النادر يتاح لك، ونحن نريد منك أن تصف لنا مجلسنا هذا. وكان الذي طلبوه منه زبدة التعنيت، لأن المعنى إذا كان جلفاً ثقيلاً على النفس، قبيح الصورة عند الحس، كملت الفكرة عنه وإن كانت ماضية، وأساءت القريحة في وصفه وإن كانت محسنة، وكان في المجلس باب مخلوع معترض على الأرض، ولبد أحمر مبسوط قد صففت نعالهم عند حاشيته، فقال مسرعاً:
وفتيةٍ كالنجوم حسنا ... وكلهم شاعر نبيل
متقد الجانبين ماضٍ ... كأنه الصارم الصقيل
راموا انصرافي عن المعالي ... والحد من دونها كليل
فالشد في أمرها فسيح ... كل كثير له قليل
في مجلسٍ زانه التصابي ... وطاردت وصفه العقول
كأنما بابه أسير ... تعرض من دونه النصول
يراد منه المقال قسراً ... وهو على ذاك لايقول
ينظر من لبده لدينا ... بحر دمٍ تحتنا يسيل
كأن أخفافنا عليه ... مراكب مالها دليل
ضلت فلم تدر أين تجري ... فهي على شطه تقيل
فعجب القوم من أمره، ثم خرج من عندهم فمر على بعض معارفه من الطوافين وبين يديه زنبيل ملآن حرشفا، فجعل يده في لجام بغلته وقال: لا أتركك حتى تصف الحرشف فقد وصفه صاعد فلم يحسن، فقال له ابن شهيد: ويحك! أعلى مثل هذه الحال؟ قال: نعم فثنى رجله ثم قال:
هل أبصرت عيناك يا خليلي ... قنافذاً تباع في زنبيل
كأنها أنياب بنت الغول ... لو نسخت في است أمري ثقيل
لقفزته نحو أرض النيل ... ليست ترى طي حشا منديل
نقل السخيف المائق الجهول ... وأكل قوم نازحي العقول
أقسمت لاأطعمها أكيلي ... ولا طعمها على شمول