إسماعيل بن بلبل عند أبيه في مجلس فيه أبو عبد الله أحمد بن أبي فنن ووالدي أحمد بن أبي طاهر وجماعة من أهل الأدب، فاستنشدني أبو الصقر شيئاً من شعري، فأنشدته، فاستنكره أبو الصقر، ثم قال: أريد أن أمتحنك في شيء تجيزه، فقلت له: ذلك لك، ففكر، ثم قال:
أنت غلام شاعر خبيث
فقلت من غير تلبث:
أنت امرؤ بجوده يغيث
يعجل ما يعطي ولا يريث
لك القديم ولك الحديث
فقال أبو عبد الله بن أبي فنن: اذهب يا غلام، فأنت أشعر الأولين والآخرين، ثم حضرت المائدة، وحضر عليها كباب رشيدي، فقال ابن أبي فنن:
كباب رشيدي إذا ما رأيته
ثم قال: أجز، فقلت:
وإن كنت شبعاناً قرمت إلى الأكل
ثم قال ابن أبي فنن: ما سمعت أحسن من هذا، ما لهذا الصدر عجز أولى به من هذا.
وهذه الحكاية صدرها من باب الأجوبة وآخرها من هذا الباب.
[وذكر الرئيس هلال بن المحسن بن الصابي في كتاب الوزراء والكتاب]
قال: حدث أبو الفرج الأصفهاني قال: سكر الوزير المهلبي ليلة، ولم يبق بحضرته من ندمائه غيري؛ فقال له: يا أبا الفرج، أنا أعلم أنك تهجوني سراً؛ فاهجني الساعة جهراً؛ فقلت: الله في أيها الوزير، إن كنت قد ثقلت عليك، فمرني فلا أعود أجيبك أبداً، وإن كنت تريد قتلي فبالسيف أهون؛ فقال: دع هذا، فلا بد أن تهجوني - وكنت قد سكرت - فقلت:
أير بغلٍ مكوكب
فبدر فقال:
في حرام المهلبي
هات مصراعاً آخر، فقلت: الطلاق لازم لي، إن زدت على هذا كلمة.
[وروى عبد الجبار بن حمديس الصقلي]
قال: صنع عبد الجليل ابن وهبون المرسي الشاعر نزهة بوادي إشبيلية، فأقمنا فيه يومنا، فلما دنت الشمس للغروب هب نسيم ضعيف غضن وجه الماء، فقلت للجماعة: أجيزوا:
حاكت الريح من الماء زرد
فأجازه كل بما تيسر له، فقال لي أبو تمام غالب بن رباح الحجام: كيف قلت يا أبا محمد؟ فأعدت القسيم له، فقال:
أي درعٍ لقتالٍ لو جمد
فحفظ القسيمان، ونسى ما عداهما.
[قال علي بن ظافر: وقد أنبأني الفقيه أبو محمد المسكي إجازة]
قال: كتب إلى الحافظ السلفي، أنشدني أبو الفضل أحمد بن عبد الكريم بن مقاتل المقري الصنهاجي بالإسكندرية: قال: أخبرني أبو محمد بن حمديس قال: كنا مع المعتمد بن عباد بحمص الأندلس، فمر على أضاة، قد راح عليها الصبا، فأثبت على وجهه الماء مثل الزرد، فقال:
نسج الريح على الماء زرد
وطلب الإجازة من شعرائه فلم يجبه أحد،