[وأخبرني بعض أصحابنا الممصرين]
أن بعض جلساء الصالح بن رزيك أنشد بمجلسه بيتاً من الأوزان التي يسميها المصريون الزركالش، وسميها العراقيون كان وكان:
النار بين ضلوعى ... ونا غريق في دموعي
كنى فتيله قنديل ... أموت غريق وحريق
وكان عنده القاضي الجليس أبو المعالي عبد العزيز بن الحباب، والقاضي المهذب بن الزبير فتقدم إليهما بنظم معناه، فصنعا بديهاً؛ فكان مما صنعه الجليس:
هل عاذر إن رمت خلع عذاري ... في شم سالفةٍ ولثم عذار
متألف الأضداد فيه ولم تزل ... في سالف الأيام ذات نفار
وله من الزفرات لفح صواعق ... وله من العبرات لج بحار
كذبالة القنديل قدر هلكها ... ما بين ماء في الزجاج ونار
وكان ما صنعه ابن الزبير:
كأني وقد سالت سيول مدامعي ... فأذكت حريقاً في الحشا والترائب
ذبالة قنديلٍ تعوم بمائها ... وتشعل فيها النار من كل جانب
وصنع الصالح:
وإذا تشب النار بين أضالعي ... قابلتها من عبرتي بسيول
فأنا الحريق بل الغريق أموت في ... هذا وذا كذبالة القنديل
[قال علي بن ظافر]
أخبرني الأمير الأجل عضد الدين مرهف ابن أسامة بن منقذ، قال: كان لي مملوك اسمه ياقوت، فقصدت أنا وابن عمي عبد الرحمن بن محمد نظم المعنى المشهور من أن النار لا تعدو على الياقوت، فكان الذي قلته:
أسكنته قلبي وأصبح حبه ... من دون أقوات البرية قوتي
قالوا: وكيف يقيم من أحببته ... في نار قلبٍ بالجوي منعوت
فأجبتهم لا تعجبوا لمقامه ... فالنار ليس تضر بالياقوت
وكان الذي قاله ابن عمي:
يا عجباً للذي كلفت به ... تدنيه مني إن غاب أفكاري
يسكن قلباً من الجحيم ويزدا ... د ضراماً بدمعي الجاري
لا تعجبوا منه حين يسكنه ... فما يبالي الياقوت بالنار