للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القاضي الفقيه جمال الدين: وهاتان حكايتان قرأتهما في بعض المجاميع، ولم أعرف رواتهما، فأستدل بهم على عصرهم، فلذلك أفردتها ها هنا، ولم أضعهما في نظام الحكايات المرتبة على ترتيب الأعصار، خوفاً من نقد منتقد:

[إحداهما: قال أبو سليمان الواسطي]

مر بنا موسوس كان يؤثر عنه أدب، والسماء مغيمة، فتعرضت له وقلت:

أرى يومنا يوماً تكامل حسنه ... ويوشك أن اليوم لا شك ماطر

وقلت له: أجز؛ فوقف وقال:

وقد سترت فيه السحائب شمسه ... كما سترت ورد الخدود المعاجر

[والأخرى قال أبو علي]

اجتمعنا في بعض الأيام جماعة من أهل الأدب؛ وخرجنا إلى منتزه، فوقفنا في ظل قصر لنستريح، فوقعت علينا منه وقعة فيها: أجيزوا هذا لبيت:

ولي مقلة عهدها بالكرى ... بعيد وبالدمع عهد قريب

فكتبت تحته:

يحار إذا مر فيها المنام ... كما حار في الحي ضيف غريب

ثم صرفنا الرقعة مع بواب القصر، فأخرج إلينا سفرة فيها طعام كثير وأشياء فيها عون لنا على نزهتنا.

قال علي بن ظافر: وأحسب أن أبا علي هذا، الحاتمي، فإن صح الحديث، فينبغي أن يكون بعد حكاية الصاحب بن عباد رحمه الله تعالى.

ومن إجازة بيت ببيت ما يكون الشاعر قد عمل بيتاً

واستجاز له أولاً، أو عمل بيتين وأراد إبدال أحدهما أو الاختبار فيه، مثل ما أنبأنا به العماد أبو جعفر الأصبهاني، قال: أخبرني الأمير الأجل نجم الدين بن مصال، أن شاباً يعرف بأحمد الآبي من أهل الإسكندرية سافر إلى الشيخ الأجل أبي بكر أحمد بن محمد العيذبي التميمي الكاتب فاضل اليمن ورئيسه، وانتفع من جانبه، وأن أحمد ذكر عنه أنه عمل أبياتاً يهنئ فيها الداعي بطهور أولاده، من جملتها قوله:

كذبالة المصباح يقضى قطعها ... عند الخمود لها بقوة ناره

قال: فقال الأديب العيذبي: يصلح أن يكون لهذا البيت توطئه من قبله، فقال:

أخذ من العضو الشريف قضى له التأ ... ثير فيه بمقتضى آثاره

[قال العماد]

ونقلت من مجموع أبي المعالي الكتبي لأبي القاسم الهمداني:

تعيرني وخط الشيب بعارضي ... ولولا الحجول البيض لم تحسن الدهم

حنى الشيب ظهري واستمرت عزيمتي ... ولولا انحناء القوس لم ينفذ السهم

قال: فنظمت المعنى، وقلت:

يفيد العقل اليقظ التغابي ... ليدرك في الغني حظ الغبي

فلم تصب السهام على اعتدال ... بها لولا اعوجاج في القسي

قال: وأنشدتها للأمير مؤيد الدولة أسامة بن منقذ، فصنع في الحال بدل الأول من البيتين وهو:

أرى أن الحليم به افتقار ... إلى جهل الفتى الغر الغبي

<<  <   >  >>