فقال:
يفتح عينيه ثم يطبقها
فقلت:
فعل امرئ في جفونه رمد
فقال:
فابتزه الدهر نور واحدةٍ
فقلت:
وهل نجا من صروفه أحد!
فاستحسن ذلك، وأمر لي بجائزة سنية، وألزمني خدمته.
[وأخبرني رجل من التجار بمصر يعرف بأبي الفضل ابن فتوح المصري]
قال: سكنت بدار في الخطة المعروفة بدويرة خلف، فرأيت جميع جدران المنزل مكتوبةً بأخبار بديعة، وأشعار مستحسنة السبك، ووجدت في جملتها: لما دخلت بجاية عند عبوري، اجتزت في بعض الأيام بصديق لي من المعلمين وهو في مكتبه، وصبيانه قد حفوا به، فأحضر صبياً منهم، وقال لي: اختبره فإنه يقول الشعر الجيد، فقلت له: أجز:
وشادنٍ ذي شطاط
فقال:
حجي له ورباطي
فقلت:
موكل بضميري
فقال:
معلق بنياطي
فعجبت من سرعة بديهته مع صغر سنه، ثم تمادى الأمر، فاشتهر بقول الشعر، فنمي إلى السلطان تميم بن المعز أنه هجاه، وأنه قال فيه:
بلد مظلم وملك ظلوم ... وهما فيح حمةً وتميم
هو فيها كمالك والمقيمو ... ن بها المجرمون وهي الجحيم
فاستحضره السلطان، واستخبره عما قال فيه، فأنكره وقال: إنما قلت:
عرجا بي فذا مناخ كريم ... هذه حمنة وهذا تميم
هذه الجنة التي وعد الل ... هـ وهذا صراطه المستقيم
فاستظرفه تميم واستلطفه وأكرمه ثم صرفه.
قال المخبر بهذه الحكاية: ثم تقصيت عن المنزل، فقيا لي: إنه كان منزل أبي الصلت حين قدومه إلى مصر.
قرأت في بعض المجاميع أن شاعراً من أهل تنس من بلاد إفريقية
قصد المعتمد على الله بن عباد؛ وهو بسبته أيام جوازه للقاء أمير المؤمنين ابن تاشفين للاستنجاد به، فوصف له، فحضر، فأنشده، فقال: هذا يصلح لمنادمتنا الليلة، وأمر بإمساكه، فسقى، وجرى في المجلس حديث فرس أدهم كان مشهوراً بالأندلس، وعزيز المحل عند المعتمد.
واتفق أن الرجل سكر ونام، فخرج منه ريح بصوت شديد؛ فقال المعتمد ارتجالاً:
فيا عجباً من ضعيف القوى ... تزلزلت الأرض من ضرطته
ثم قال لندمائه: لا يشعره أحد بما جرى، واستيقظ الرجل فقال كالمعتذر من نومه: إن هذا النوم سلطان؛ فقال بعض الندماء الحاضرين: صدقت، قد سمعنا طبله؛ فجعل الرجل يقول: رأيت في منامي كأن السلطان أعزه الله قد حملني على فرس