لبن ممذوقة، ولم يذبح لهم؛ فلما رأوا ذلك منه قاموا إلى مطيهم ورواحلهم فركبوها، ثم قالوا تعالوا حتى نهجو هذا الكلب، فقال شبيب:
أفي حدثان الدهر أم في قديمه ... تعلمت ألا تقري الضيف علقما
فقال أرطاة:
لبثنا طويلاً ثم جاء بمذقةٍ ... كماء السلا في جانب القعب أثلما
فقال عويف:
فلما رأينا أنه شر منزلٍ ... رمينا بهن الليل حتى تصرما
وروي أيضاً أن عقيل بن علفة المري
خرج هو وابناه جثامة وعلفة وابنته الجرباء حتى أتو بنتاً له ناكحاً في بني مروان بالشام آمت. ثم إنهم قفلوا بها حتى كانوا ببعض الطريق قال عقيل:
قضت وطراً من دير سعدٍ وربما ... على عرضٍ ناطحنه بالجماجم
إذا هبطت أرضاً يموت غرابها ... بها عطشاً أعطينهم بالخزائم
ثم قال: أجز يا علفة، فقال:
إذا علم غادرنه بتنوفةٍ ... تذارعن بالأيدي لآخر طاسم
ثم قال: أجز يا جثامة، فقال:
وأصبحن بالموماة يحملن فتيةً ... نشاوى من الإدلاج ميل العمائم
ثم قال: أجيزي يا جرباء، فقالت: وأنا آمنة؟ قال: نعم، فقالت:
كأن الكرى سقاهم صرخديةً ... عقاراً تمشت في المطا والقوائم
فقال عقيل: شربتها ورب الكعبة! لولا الأمان لضربت بالسيف ما تحت قرطيك، أما وجدت من الكلام غير هذا! فقال جثامة: وهل أساءت؟ إنما أجازت، وليس غيري وغيرك! فرماه عقيل بسهم، فأصاب ساقه والرحل، ثم شد عليها، وقال: لولا يعيرني بنو مرة بعد اليوم ما ذقت الحياة. ثم خرج متوجهاً إلى أهله. ثم نحر عند جثامة جزوراً وتركه وقصد قومه، وقال: لئن أخبرت أهلك بشأن جثامة، أو قلت لهم إنه أصابه غير الطاعون أتيت عليك. فلما قدموا على أهل أبير وهم بنو القين ندم عقيل على ما فعله بجثامة، فقال لهم: هل لكم في جزورٍ انكسرت؟ قالوا نعم، قال: الزموا إثر هذه الرواحل حتى تجدوا الجزور. فخرج القوم حتى انتهوا إلى جثامة، فوجدوه وقد أنزفه الدم، فحملوه واقتسموا الجزور، وأنزلوه عليهم، وعالجوه حتى برأ، وألحقوه بقومه، فلما احتملوه وقرب الحي تغنى جثامة بقوله: