والله إنه لموضع الفخار صلى الله عليه وسلم. وداخلني السرور لقطعة الكلام، ولئلا ينالني عجز عن إجابته فأفتضح، ثم إنه ابتدأ المناقضة فأفكر هنيهة، ثم قال: قد قلت فلم أجد بداً من الاستماع فقلت: هات، فقال:
نحن الذين إذا سما لفخارهم ... ذو الفخر أقعده الزمان القعدد
فافخر بنا إن كنت يوماً فاخراً ... تلق الألى فخروا بفخرك أفردوا
قل يا بن مخزومٍ لكل مفاخرٍ ... منا المبارك ذو الرسالة أحمد
ماذا يقول ذوو الفخار هنا لكم ... هيهات ذلك، هل ينال الفرقد!
فحصرت وتبلدت، وقلت: لك عندي جواب فأنظرني، وأفكرت ملياً، ثم أنشأت أقول:
لا فخر إلا قد علاه محمد ... فإذا فخرت به فإني أشهد
أن قد فخرت وفقت كل مفاخرٍ ... وإليك في الشرف الرفيع المعمد
ولنا دعائم قد بناها أول ... في المكرمات جرى عليها المولد
من رامها حاشا النبي وأهله ... بالفخر غطمطه الخليج المزبد
دع ذا ورح لغناء خودٍ بضةٍ ... مما نطقت به وغنى معبد
مع فتيةٍ تندى بطون أكفهم ... جوداً إذا علج الحرون الأنكد
يتناولون سلافةً عانيةً ... لذت لشاربها وطاب المقعد
فوالله يا أمير المؤمنين لقد أجابني بجوابٍ كان أشد على من الشعر، فقال: يا أخا بني مخزوم، أريك السها وتريني القمر! قال أبو عبد الله اليزيدي: يريد: أدلك على الأمر الغامض وأنت لم تبلغ أن ترى الأمر الواضح! وهو مثل ثم قال: تخرج من الفاخرة إلى شرب الخمر المحرمة. فقلت له: أما علمت - أصلحك الله - أن الله تعالى يقول في الشعراء: " وأنهم يقولون مالا يفعلون "؟ فقال: قد صدقت، وقد استثنى الله - عز وجل قوماً منهم فقال: " إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وذكروا الله كثيراً "، فإن كنت منهم فقد دخلت في الاستثناء واستحققت العقوبة بدعائك إليها، وإن لم تكن منهم فالشرك بالله - عز وجل - عليك أعظم من شرب الخمر. فقلت: أصلحك الله! لا أرى للمستجدي شيئاً أعظم من السكوت، فضحك وقال: أستغفر الله، ثم قام عني. فضحك عبد الملك حتى كاد يموت، ثم قال: يا بن أبي ربيعة، أما علمت أن لبني عبد مناف ألسنة لا تطاق! ثم قضى حوائج عمر وصرفه.
قال علي بن ظافر: