أم كيف أخشى والبلاد جميعها ... محمية في جاه طعن قناكا
يكفي الأعادي حر بأسك فيهم ... أضعاف ما يكفي الولي نداكا
مازرت مصر لغير ضبط ثغورها ... فلذا صبرت فديت عن رؤياكا
أم البلاد علا عليها قدرها ... لا سيما مذ شرفت بخطاكا
طابت وحق لها ولم لا وهي قد ... حوت المعلى في الفخار أخاكا
أنا كالسحاب أزور أرضاً ساقياً ... حيناً وأمنح غيرها سقياكا
مكثي جهاد للعدو لأنني ... أغذوه بالرأى السديد دراكا
لولا الرباط وفضله لقصدت بال ... سير الحثيث إليك نيل رضاكا
ولئن أتيت إلى الشآم فإنما ... يحتثني شوقي إلى لقياكا
إني لأمنحك المحبة جاهداً ... وهواي فيما تشتهيه هواكا
فافخر فقد أصبحت بي وببأسك ال ... حامي وكل مملكٍ يخشاكا
لا زلت تقهر من يعادي ملكنا ... أبداً، ومن عاداك كان فداكا
وأعيش أنظر إبنك الباقي أباً ... وتعيش تخدم في السعود أباكا
ثم عدت إلى مكاني، وقد بيضتها وحليت بزهرها ساحة القرطاس الأبيض وروضتها. فلما رآني السلطان - خلد الله ملكه - قد عدت قال: أعملت شيئاً؟ ظنا منه أن العمل في تلك اللمحة متعذر، وبلوغ الغرض فيها غير متصور، فقلت: نعم، فقال: أنشدنا. فصمت الناس وحدقت الأبصار، وأصاخت الأسماع، وظن الناس بي الظنون، وترقبوا مني ما يكون. فما هو إلا أن توالي إنشادي حتى صفقت الأيدي إعجاباً، وتغامزت الأعين استغراباً، وحين انتهيت إلى ذكر مولانا الملك الكامل بأنه المعلى إذ ضربت قداحهم، وسردت أمداحهم. اغرورقت عيناه لذكره، وبان منه نخفى المحبة فأعلن بسره. وحين انتهيت إلى آخرها فاض دمعه ولم يمكنه دفعه، فمد يده مستدعياً للورقة، فناولتها إلى يد الصاحب، فناولها له ثم نهض.
وإنما حمل الصاحب على هذا الفعل الذي غرر بي في التعريض له، أمور كان يقترحها علي فأنفذ فيها بين يديه، ويخف الأمر منها على، لدالتي عليه؛ منها أنني كنت معه في سنة تسع وتسعين وخمسمائة بدمشق، فورد كتاب من الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين صاحب حماة، وقد بعث صحبته