باب دارنا، إذا الوزير أبي بكر بن عمار قد أقبل في موكب زجل على فرس كالصخرة الصماء قدت من قنة الجبل، فحين حاذاني ورآني، أشرأب إلي ينظرني، وبهت يتأملني، ثم دفع بمخصرة كانت في يده في صدري، وأنشد:
كف هذا النهد عني ... فبقلبي منه جرح
هو في صدرك نهد ... وهو في صدري رمح
قال علي بن ظافر
وذكر الفتح بن خاقان في كتاب القلائد ما معناه قال: أخبرني ذو الوزارتين أبو المطرف بن عبد العزيز أنه حضر عند المؤتمن بن هود في يوم أجرى فبه الجو أشقر برقة، ورمى ببندق ودقة، وحملت الرياح فيه أوقار السحاب على أعناقها، وتميلت قامات الغصون في الحلل الخضر من أوراقها، والأزهار قد تفتحت عيونها، والكمائم قد ظهر مكنونها، والأشجار قد انصقلت بمداوس القطر، ونشرت ما يفوق ألوان البز وبثت ما يعلو أرواح العطر، والراح قد أشرقت نجومها في بروج الراح، وحاكت شمسها شمس الأفق فتلفعت بغيوم الأقداح، ومديرها قد ذاب ظرفاً فكاد يسيل من إهابه، وأخجل خده حسناً فتكلل يعرق حبابه؛ إذا بفتىً رومي من فتيان المؤتمن أقبل متدرعاً، كالبدر اجتاب سحاباً، والخمر اكتست حباباً، والطاووس انقلب حبابا، فهو ملك حسناً إلا أنه جسد، وغزال ليناً إلا أنه في هيئة أسد، وقد جاء يريد استشارة المؤتمن في الخروج إلى موضع كان عول فيه عليه، وأمره أن يتوجه إليه، فحين وصل إلى حضرته لمحه ابن عمار، والسكر قد استحوذ على لبه، وانبثت سراياه في نواحي قلبه. فأشار إليه وقربه، واستبدع ذلك اللباس واستغربه، وجد في أن يستخرج الدرة من ماء ذلك الدلاص، وأن يجلي عنه سهكه كما يجلي عنه الخبث عن الخلاص، وأن يوفر على ذلك الوفر نعمة جسمه، ويكون هو الساقي على عادته القديمة ورسمه، فأمره المؤتمن بقبول أمره وامتثاله، واحتذاء مثاله، فحين ظهرت تلك الشمس من حجبها ورميت شياطين النفوس من كمت المدام بشهبها ارتجل ابن عمار يقول:
وهويته يسقي المدام كأنه ... قمر يدور بكوكبٍ في مجلس