للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصواب في هذه المسألة مع ابن عمر رضي اللَّه عنهما، وليس الأمر كما ظنت عائشة رضي اللَّه عنها، وتوجيهه عند العلماء من أربعة أوجه:

الأول: أنَّ ذلك الميت أوصى أهله بالبكاء عليه، كقول طرفة بن العبد في معلقته:

إذا متُّ فانعيني بما أنا أهلُه ... وشقي عليَّ الجيب يا ابنة معبد

وحينئذ فتعذيبه بفعله الذي هو أمره وإيصاؤه بالمنكر.

الثاني: أن يعلم أن أهله يفعلون ذلك بعد موته ولم ينههم عنه؛ لأن اللَّه فِيأمره بنهيهم عن ذلك المنكر، كما قال تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم/ ٦]، وتعذيبه إذن بتقصيره وإهماله ما أمره اللَّه به من نهي أهله عن المنكر.

الثالث: أنَّ معنى تعذيبه ببكاء أهله توبيخ الملائكة له بما يندبُه أهلُه به.

الرابع: أنَّ معنى تعذيبه تألُّمه بما يقع من أهله من النياحة وغيرها.

قال ابن حجر في "الفتح": وهذا اختيارُ أبي جعفر الطبري من المتقدمين، ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين، واستشهدوا له بحديث قيلة بنت مخرمة، ومحل الشاهد في كلامه من حديثها قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد اللَّه لا تعذبوا موتاكم".

<<  <   >  >>