للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثال هذا: ما لو ذبح الكتابيُّ ذبيحة، ولم يسمِّ عليها اللَّه، ولا غيره، فعموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة/ ٥] يقتضي إباحتها، وعموم {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام/ ١٢١] يقتضي تحريمها، وكلٌّ من العمومَيْن دخله تخصيصٌ، إلا أنَّ الأول خُصَّصَ مرةً واحدةً، والثاني خُصِّصَ مرتين، فالأول أقوى؛ لأنَّه أقلُّ تخصيصًا.

لأنَّ قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} لم يخصَّص إلا تخصيصةً واحدة، وهي تخصيصُه به، إذا لم يُسمِّ الكتابيُّ على ذبيحته غير اللَّهِ، كالصليب أو عيسى، فإن سمَّى على ذبيحته غير اللَّه، دخلت في عموم {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة/ ٣، النحل/ ١١٥] على الأصحِّ الذي لا ينبغي العدول عنه.

أمَّا آية {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} فقد خُصِّصَتْ تخصيصتين، خصَّصها الجمهور بغير الناسي، فتارك التسمية ناسيًا تؤكل ذبيحته عند الجمهور، وحكى عليه ابن جرير الإجماع مع أنَّه خالف فيه اثنان، وخصصه الشافعيُّ وأصحابه بما ذُبح لغير اللَّه.

ويقدَّم الدالُّ بدلالة الاقتضاء على الدالِّ بدلالة الإيماء، والدال بدلالة الإشارة، والظاهرُ تقديم الدالِّ بالإيماء على الدَّال بالإشارة.

ووجهُ تقديم الدَّالِّ بالاقتضاء: أنَّه مقصودٌ للمتكلم، يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته عقلًا أو شرعًا -كما تقدم إيضاحُه-.

ووجهُ تقديم الدالِّ بالإيماء على الدالِّ بالإشارة: أنَّ دلالة الإيماء

<<  <   >  >>