أمَّا الآيات التي ذكرها المؤلف فلا يتعين في شيء منها أنَّه مجاز.
أما قولُه:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ}[الإسراء/ ٢٤] فليس المراد به أنَّ للذل جناحًا، وإنْ كان كلام العلَّامة ابن القيم رحمه اللَّه يقتضيه، وظنَّ أبو تمَّام أنه معنى الآية لَّما قيل له: صُبَّ في هذا الإناء من ماء الملام، يعني قوله:
لا تسقني ماء الملام فإنني ... صَبٌّ قد استعذبتُ ماء بكائي
فقال: هات ريشة من جناح الذلِّ، حتى أصبَّ لك من ماء الملام.
بل المراد بالآية الكريمة كما يدلُّ عليه كلام جماعة أهل التفسير أنها من إضافة الموصوف إلى صفته، أي واخفض لهما جناحك الذليل لهما من الرحمة، ونظيره من كلام العرب قولهم: حاتم الجود، أي الموصوف بالجود، ووصفُ الجناح بالذلِّ مع أنَّه صفة الإنسان؛ لأنَّ البطش يَظْهَرُ برفع الجناح، والتواضع واللين يظهرُ بخفضه؛ فخفضُه كناية عن لين الجانب، كما قال:
وأنت الشهير بخفض الجناح ... فلا تك في رفعه أجدلا
ونظيره في القرآن:{مَطَرَ السَّوْءِ}[الفرقان/ ٤٠] و {عَذَابَ الْهُونِ}[الأنعام/ ٩٣] أي المطر الموصوف بأنَّه يسوء من وقع عليه، والعذاب الموصوف بوقوع الهون على من نزل به.
وإضافة صفة الإنسان لبعض أجزائه أسلوب من أساليب اللغة العربية، كما قال هنا:{جَنَاحَ الذُّلِّ}، مع أن الذليل صاحب الجناح.