للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ (١٩)}

الشرح: {وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ} أي: أي شيء يوم الدين؟ تفخيما لشأنه، وتعظيما لهوله؛ أي: حقه أن يستفهم عنه لعظمه، فوضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التهويل. {ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ} المعنى: وأي شيء علمته عن يوم الدين؟ أي: إنك لا علم لك بكنهه، ومدى عظمه؛ لأنه من العظم، والشدة بحيث لا تبلغ حقيقته دراية المخلوقين، ومعرفتهم، والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ويعم كل عاقل فاهم، يهمه شأن يوم الدين.

والنبي صلّى الله عليه وسلّم كان عالما بيوم الدين، ولكن بالصفة، فقيل تفخيما لشأنه: {وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ} أي: كأنك لست تعلمه؛ إذا لم تعاينه. قال يحيى بن سلام-رحمه الله تعالى-: بلغني أن كل شيء في القرآن {وَما أَدْراكَ} فقد أدراه إياه، وعلمه، وكل شيء قال: {وَما يُدْرِيكَ؟} فهو مما لم يعلمه. وقال سفيان بن عيينة-رحمه الله تعالى-: كل شيء قال فيه: {وَما أَدْراكَ} فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه: {وَما يُدْرِيكَ} فإنه لم يخبر به.

{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} أي: لا تملك نفس كافرة لنفس كافرة شيئا من المنفعة، وكذلك المؤمنة لا تستطيع ذلك لغيرها بوجه، وإنما تملك الشفاعة، والمنفعة لغيرها بالإذن، وهو صريح قوله تعالى: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ} كقوله تعالى في سورة (غافر) رقم [١٦]: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} هذا؛ وفي هذه الآيات من البلاغة فنّ الإطناب بتكرير الجملة، وإعادتها.

بعد هذا فالفعل: «درى» بمعنى: علم من أفعال اليقين، فينصب مفعولين كقول الشاعر، وهو الشاهد رقم [٦] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [الطويل]

دريت الوفيّ العهد يا عمرو فاغتبط... فإنّ اغتباطا بالوفاء حميد

وهو قليل؛ إذ الكثير المستعمل فيه أن يتعدى إلى واحد بالباء، نحو دريت بكذا، فإن دخلت عليه همزة النقل؛ تعدى إلى واحد بنفسه، وإلى واحد بالباء، نحو قوله تعالى: {قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ} الآية رقم [١٦] من سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. قال شيخ الإسلام: ومحل ذلك إذا لم يدخل على الفعل استفهام، وإلا تعدى إلى ثلاثة مفاعيل، نحو قوله تعالى في سورة (القارعة): {وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ؟} فالكاف مفعول أول، والجملة الاسمية سدت مسد المفعولين. انتهى.

والذي في «الهمع» و «المغني» -قيل: وهو الأوجه-: أن الجملة الاسمية سدت مسدّ المفعول الثاني المتعدي إليه بالحرف، فتكون في محل نصب بإسقاط الجار، كما في فكرت:

<<  <  ج: ص:  >  >>